الاثنان وزير الخارجية الروسي ونائبه, كأنهما في سباق ماراثون مع الزمن, فيما يتفوهان به من أقوال حيال المشكلة السورية, فبمثل هذه الأقوال الصادرة عنهما تمثل البرودة القاتلة, وليست بغريبة على الدب الروسي الغارق في جليد بحره الأسود, فعنجهيته السياسية الروسية المتحجرة هي التي جعلتها في منأى عن علاقتها بالدول العربية كعلاقة دافئة. الشيء الناجم عن عدم مصداقيتها في سياستها المتقلبة التي لا يمكن أن تستمر وفق المواثيق والأعراف الدولية.. حتى إن بعض الدول العربية التي عقدت مواثيق التسلح معها فباعتها أسلحة فاسدة, مصر مثال إبان حكم عبدالناصر ومن ثم السادات حينما تم إلغاء جميع عقود الأسلحة معها وطرد خبرائها من مصر. حتى إن التفاوض معها في أي شأن دولي تحاول فرض رأيها على الآخرين, وذلك بحكم أنها دولة من بين الدول الخمس الكبار في مجلس الأمن الدولي وتمتلك حق الفيتو؛ الأمر الذي استخدمته في فرض رأيها في ما يحصل بسوريا العربية، ومساندة الصين لها، ناهيك عن إيران وحزب اللات.. ليضحي القول وكأن الاثنين إي لافروف وبوغدانوف وتصريحاتهما المتطابقة وجهان لعملة واحدة.. عملة صدئة لم تعد بذات جدوى ولا حتى تساوي مقومات سكها والتعامل معها مجدداً.. ناهيك عن الاعتماد عليها والاستفادة منها.. و هي حالة طبعت بطابع السياسة الروسية بالشرق الأوسط؛ فالطبع غلب التطبع.
لافروف وبوغدانوف, يذكراني بسيئي الذكر بول برايمر الحاكم الأمريكي للعراق إبان غزوه، ووزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد؛ مع فارق المكان والزمان وملابسات الغزو الأمريكي للعراق والروسي لسوريا. إلا أن كلتا الحالتين ذات منهاج واحد هو التقسيم للبلدين.. حينما استبقت روسيا أمريكا مستغلة قيام الثورة السورية لتأتي بأساطيلها الجرارة لتتخذ من طرطوس قاعدة لها، لمؤازرة دكتاتور سوريا بشار وتشكيل حلف مناهض للثورة السورية بقيادتها, ودخول إيران الصفوية وحزب الله وحكومة المالكي العراقية ليكتمل احتلال بلد عربي.. هذا التحالف الرباعي بقوته الحربية وقواه البشرية استطاع أن يحول سوريا لمجازر بشرية ودمار البنية الأساسية في اتباع سياسة الأرض المحروقة.
حينما يتحدث لافروف عن المشكلة السورية يتقمص ثوب المحامي الماكر؛ وبطريقته الممقوتة والمملة ووجهه المتجهم الصارم؛ وكأنه يقول للعالم أجمع لا مفاوضة حيال سوريا مع غير روسيا دعوكم من أمريكا وأوروبا, وهذه حقيقة لا غبار عليه.. حينما تبين للعالم ما انطوت عليه سريرة التفاهم الروسي والأمريكي، مثلما كانت الحال عليها حينما انتهى الغزو الأمريكي للعراق وتم تدميره فكان التفاهم الأمريكي الإيراني لتسليم العراق للأخيرة التي مازالت تحتل هذا البلد العربي المبتلى بالاحتلال الإيراني الذي دمر عراق الرافدين.. فمن هذا المنطلق كما يقول المثل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، وهم القوم الغزاة والفائدة البغيضة, فقد استفادت روسيا استفادة عظيمة لم تحلم بها قط.. في مجيئها وإقامتها بالبحر الأبيض المتوسط.. فكان ميناء طرطوس القاعدة الروسية ومن ثم تسويق السلاح الروسي الفتاك من حساب الخزينة الإيرانية التي استطاعت روسيا أن تفرغ ما بها من خلال بيع سلاحها لإيران في سبيل حربها الشرس للبقاء بسوريا, فهي عصب التمدد الإيراني في الوطن العربي. فمن المعروف إن نهاية حكم الأسد هو نهاية الاحتلال الإيراني لسوريا.
إن ذهب الكل لمؤتمر جنيف 2 أو لم يذهبوا فإن النتيجة معروفة سلفاً, الأمر الذي لا يمكن أن توافق روسيا على تنحي الأسد, وستبقى المشكلة السورية أسيرة المراوحة, فأمريكا والغرب عامة يودان إطالة أمد الحرب لاستنزاف الإطراف المتحاربة ومن ثم التدخل عسكرياً من ناحيتين، الأولى, كسر شوكة السنة لحساب الشيعة؛ والثانية المحافظة على الأمن القومي الإسرائيلي, وهذا هو المبتغى الروسي الإيراني لإبقاء سوريا العربية ضعيفة وضائعة تبحث عن ذاتها لعدة عقود بعد أن خذلوها وأذلوها. مثلما هي الحالة العراقية لتأتي الحالة السورية وما أشبه الليلة بالبارحة!.
bushait.m.h.l@hotmail.com