مكة المكرمة - المدينة المنورة - واس:
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور سعود الشريم المسلمين بتقوى الله - عزّ وجل - فهي الزاد يوم المعاد، واجتناب نواهيه ابتغاء مرضاته وعفوه سبحانه وتعالى. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس: «حجّاج بيت الله الحرام، إن هذا اليوم هو آخر أيام التشريق في الحجّ، وهو آخر يوم ترمى فيه الجمرات لمن لم يتعّجل بالأمس، ومن تأخر إلى هذا اليوم فقد زاد ذكراً لله جّل وعلا»، مستشهداً بقوله تعالى فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى... . وأضاف الدكتور قائلاً: «إن في ختام أعمال الحجّ تذكيراً بانتهاء الحياة الدنيا، ثم حشر الناس إلى رب العالمين؛ لذا ختم الله آية الرمي بقوله وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ . مشيراً إلى أن الله أكرم أمة الإسلام بهذا النسك الفريد الذي خالفت به حجّ أهل الجاهلية الأولى؛ إذ كان حجّهم آنذاك يكتنفه الأصنام والخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وكانوا يتفاخرون بالأشعار والأنساب والسلب والنهب، فجاء الإسلام دالاً على كل خير، محذراً من كل شر، قاطعاً بحسم كل مظاهر الجاهلية الأولى. ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام حجّاج بيت الله إلى التوبة النصوح بعد الحج، والعمل الصالح، والاستقامة على شرع الله وطاعته؛ فهي النبراس العظيم فيما بقي من أعمار، محذراً من التنافر والتدابر والتباغض والفرقة والتفريط في جنب الله. ودعا فضيلته كل حاجّ أن ينقل ما شاهده من سماحة الإسلام وعدله، المتمثّل في الوحدة والتآخي؛ فالكل وقف أمام الله سواسية، لا فرق بين غني وفقير وكبير وصغير؛ فلا فضل لأحدهم إلا بتقوى الله؛ فيجب على كل حاجّ أن يتمثل تلك المعاني حين يرجع إلى قومه، ويحمل في نفسه معنى الوحدة وحاجة الأمة إليها، مؤكداً أن وحدة المجتمعات الإسلامية لن تكون مبنية على لون ولا لغة ولا مال، وإنما تتحقق حينما يكون المصدر واحداً، هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقال فضيلته: «إن هذا الموقف يذكرنا بخطبة الوداع التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم على مسامع الحجيج، وأمرهم بإبلاغ أمته بها إلى يومنا هذا، ومن بعدنا إلى أن تقوم الساعة، وقد أشهدهم جميعاً على ما جاء بها؛ إذ حوت في مجملها حفظ الضرورات الخمس، وهي الدين والعقل والنفس والمال والعِرض؛ فلن تقوم الأمة إن لم تُقِم دينها كما أراد لها ربها،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع «ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع»؛ فلا مجال للعبث بالعقل بمسكرات أو مخدرات أو فكر ينحرف صاحبه به عن جادّة الصواب، وحرّم الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبته الاعتداء على الأموال والأنفس والأعراض والربا، كما حفظ حق المرأة فلا مجال في الإسلام للمزايدة في حقوق المرأة، ولا بالجنوح بها إلى ما يخالف فطرتها وعفافها». ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام الله - عزّ وجل - أن يجزي ولاة الأمر في هذه البلاد الطاهرة كل خير وإحسان على ما يقومون به من جهود وخدمات جليلة لخدمة حجّاج بيت الله الحرام، والسهر على راحتهم من توسعات مباركة وخدمات جليلة، كما شكر كل من قام على خدمة حجّاج بيت الله الحرام، وأن يجعل ذلك في موازين حسناتهم.
وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله تعالى في السر والعلانية, وقال: «إن أعمال العباد لا يخفى على الله منها خافية, وإن صلاح الدنيا والفوز بالجنة لا يتمان إلا بتقوى الله والإخلاص في طاعته». ودعا في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس أن يأخذ كل امرئ نفسه بأفضل الأحوال والأمور مستعيناً بالله متوكلاً عليه, راغباً فيما عند الله من الثواب, خائفاً مما أعد الله من العقاب. وحثّ الشيخ الحذيفي جموع المسلمين على الاستقامة, قائلاً: «عباد الله، ألا تعلمون أن أحسن أحوال العبد دوام الاستقامة, والثبات على الطاعات, وهجر المحرمات, فعمران السعادة للمكلف فعل الحسنات بعد الحسنات, والمعافاة من السيئات لقوله تعالى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ، وقوله سبحانه وَيَزِيدُ اللَّه الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا ». وخاطب فضيلته حجاج بيت الله الذين منّ الله عليهم بأداء مناسك الحج بيسر وسهولة, وقال: «أنتم في أيام أعقبت الحج, فمن وفقه الله, وأعانه على أداء فريضة الحج, فليحمد الله - عز وجل - على أداء هذه الفريضة, وليختم حياته بالصالحات, فمن سلم له حجه فقد سلم له عمره, وفاز بالجنات, ومن كتب له حج نافلة بعد الفريضة فقد كتب الله له خيراً كثيراً, وأعطاه أجراً عظيماً, فليحافظ على أجره الذي أعده له الله». وأشار إلى أن من لم يقدَّر له الحج فقد اكتسب من الطاعات في عشر ذي الحجة ويوم عرفة ما يرفعه الله به الدرجات, حاثاً المسلمين على المداومة على الاستقامة, والثبات على الصراط المستقيم, وعدم التحول إلى ما يكره الله. وأورد فضيلته حديث سفيان بن عبدالله رضي الله عنه أنه قال «قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك. قال: قل آمنت بالله ثم استقم» رواه مسلم، وقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . وبيّن أن الاستقامة هي الاستقامة على توحيد الله, بتحكيم دين رب العالمين, وفعل الفرائض والواجبات وترك المحرمات, ابتغاء ما عند الله عز وجل. وأكد فضيلته أن لمنزلة المداومة على الحسنات منزلة أقل منها درجة, وهي اتباع السيئات الحسنات لقوله تعالى وَأَقِمِ الَّلَاة طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ رضي الله عنه: «اتقِّ الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن». وقال فضيلته: «إن أسوأ أحوال الإنسان أن يتبع السيئات السيئات, وأن يتبع الحسنات السيئات؛ لأن ذلك يبطل العمل, ويحبط بعضه, وينقص ثواب الصالحات», محذراً من الاستهزاء بالدين لأنه يبطل العمل الصالح قُلْ أَبِاللّه وَآيَاتِه وَرَسُولِه كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ . وحثّ الشيخ الحذيفي المسلمين على المداومة على عمل الصالحات, ولزومها, فإذا فتح الله للمرء باباً من الخير والعمل الصالح فعليه أن يلزمه, ويحافظ عليه, وأن يزيد عليه أكواماً أخرى, وألا يزهد في قليل من الخير, فالحسنة تجر إلى الحسنة, والسيئة تجر إلى السيئة, لما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عبدالله لا تكن مثل فلان, كان يقوم الليل, فترك قيام الليل» رواه البخاري ومسلم، وقوله تعالى فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . وأوضح فضيلته أن أيام العمر زمان لصالح الأعمال, ووقت للتوبة من سوء الأفعال, والدهر عِبر للمعتبرين, والليل والنهار يسلمان المرء إلى مصيره؛ لينتقل إلى دار لم يعرفها, ومضاجع لم يألفها, فطوبى لمن كانت داره دار كرامة, بما كان عليه من الطاعة والاستقامة, وويل لمن كانت داره دار خزي وندامة, بما ضيع أيامه، ونسي يوم القيامة, لقوله تعالى ( وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَة وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ).