كما أن الأحداث هي التي تصنع التغيير، وتشكل حياة الأفراد فإنها إلى جانب ذلك تقود البشر إلى البحث والتفكير للخروج من مآزق محددة، أوواقع قد لا ترتضيه الأغلبية في مجتمع من المجتمعات.ولعل في حركة إحياء (المنهج السلفي المعاصر)، وحركة (تنظيم جماعة الإخوان)،
وما تولّد من تلك المدارس من جماعات، أ وتيارات ما يبرهن على ذلك، أو يشكل منطلقا للمقال والحديث، وهو بلا شك من الأبواب الواسعة الشائكة التي طرقها الكثير، بشيء من الواقعية أحيانا، والذاتية الانطباعية أحيانا أخرى، وربما تكون الذاتية هي التي تسود، وبخاصة في عصر من سماته السرعة، أو التسرع في كل شيء، يضطر الكاتب فيه إلى ملامسة أي قضية من زاوية معينة، أو موقف طارئ، ولهذا كان من الطبيعي أن يتفقوا ويختلفوا، وتتباين العواطف، وهم يتناولون أسس ومنطلقات تلك المدارس الفكرية، حسب قربهم، أو بعدهم من بيئات الأحداث، والمعترك الحقيقي لها، والشاهد على ذلك أن (السلفية) مرتبط إحياؤها في العصر الحديث بحركة الإمام (محمد بن عبد الوهاب) الإصلاحية في (نجد)، ولهذا تُلقى كل تبعاتها، سلبية، أ وإيجابية على البيئة التي تحرك فيها، وكذلك الشأن في (جماعة الإخوان) التي ارتبطت بتاريخ (مصر) في العصر الحديث، من هنا تستمد كل حركة ثقافية قوتها من البيئة التي أسهمت في نشأتها ورعايتها وتكوينها.وعلى قدر إيمان الأتباع بمنهجها، والتجدد، والمرونة في المنطلقات، واستيعاب الآخرين يكون الانتشار، أو الانحسار في الأثر والاستقطاب.
*وقوة الأثر وامتداده على مستوى العالم، أ والتراجع والاضمحلال، ودراسة ذلك على أسس علمية دقيقة هو الذي لا تحاول كل مدرسة من هذه المدارس اقتحامه، والبحث فيه، لأن الحيادية، والتجرد، والنزاهة في النتائج قد تصطدم بسياسات قد لا ترضى بمثل تلك النتائج، ولو كانت صحيحة، ومبنية على أسس واضحة.
في عصرنا الحاضر، ابتليت دول عربية وإسلامية عديدة بداء التصنيف، ولم يقف للأسف على مستوى المجتمع، بل نجده يتغلغل في الآونة الأخيرة إلى أن اخترق مستوى الأسرة الصغيرة، وأصبحت الأسرة مشتتة في أفكارها وانتماءاتها، وبخاصة حينما تجد من رب الأسرة كبير اهتمام بهذا الشأن، في المنتديات والمجالس العامة والخاصة.إذ أصبحت القضية للأسف تثار وتناقش، كما تناقش قضايا (الرياضة) وميول الحاضرين فيها، وهي ظاهرة لها خطورتها على الأمد البعيد، إن لم نجد من يقيّم الموقف ويقوده بشكل متزن وسليم. والانتماء الفكري بطبيعة الحال يختلف عن الانتماء الرياضي، حيث يدخل في بعض أبوابه في باب (الولاء والبراء) الذي وقف فيه الابن أمام أبيه في معسكرين متباينين، في مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي.
*من خلال قراءة لبعض ما يطرح في حلقات نقاش متعددة، ليست بذلك العمق في تاريخ الحركات الإسلامية، نجد أن تلك القضايا التي هي مثار خلاف بين الجماعات الإسلامية المعاصرة بين (السلفيين والإخوان) تتركز في الأغلب على باب واحد، ألا وهو (باب الجهاد) من حيث مفهومه، ومتى يشرع ؟وما شروطه؟، أو لنقل هذا مثار الاهتمام، أو النقاش، أ والأطروحات في المنتديات، وهذا لا يعني بأي حال عدم التباين في المنطلقات الدعوية بينهم، لكنه لم يشكل الهاجس الكبير على جميع المستويات، المحلية، أو الدولية، كما شكلته قضية (الجهاد)، والمنتمين لهذا الاتجاه. ولهذا ظلت جهات ومنظمات كثيرة تعزف على أوتار الخلاف، أو الاختلاف في (باب الجهاد)، وتسعى إلى تحجيم، واتساع الهوة بين هذه الجماعات أكبر مما هو عليه في واقع الحال.وقد يوجد من ينتمي للإخوان من (السلفيين) في السر، ويدعم بعض توجهاتهم ويؤيدها، دون أن يصرح بذلك، أو يشارك في مناشطهم، أو ينخرط في تنظيماتهم. وهؤلاء قد يكونون هم الأكثر، ويشكلون خطورة، من حيث غموض التوجه لديهم، وسرعة تلونهم بحسب المواقف، والصورة الأخرى عند (الإخوان) قد تكون موجودة وممارسة في ظروف معينة.ولهذا من الصعوبة أن نجزم من أي حزب، أو جماعة، انبثقت بعض الجماعات التكفيرية، و لا من يقف خلفها حقيقة من القيادات الدينية المعاصرة، مهما روجت بعض المنظمات، أ والهيئات، أ والتقارير الإعلامية.ولذا يجب أن نكون حذرين كل الحذر من تلون بعض الفئات، أو التحامل والاتهامات غير الدقيقة لبعض القوى، أو الشخصيات التي تقود أيّ من تلك المذاهب، أو الحركات، بشقها الثقافي والفكري.
* في كثير من الأحيان امتلاك زمام المبادرة من القيادات السياسية، وتبني قضايا الشعوب يفوّت الفرصة على تنظيم وترعرع مثل تلك الجماعات، أو التنظيمات الخطيرة، فحركة (الإخوان) في حقيقتها، وفي مطلع القرن العشرين الميلادي تأسست كردة فعل على عجز الحكومة، أو القيادة السياسية آنذاك على كبح جماح المستعمر الأجنبي، فانبثق التنظيم متمردا على كل شيء، بما في ذلك المؤسسات الدولية، وهيئاتها، وجمعياتها، ولم يجد من المؤسسات الرسمية السياسية في بلدهم من يمد يد العون لهم ويحتويهم، ولهذا كان انحرافهم في بعض الثوابت أمرا متوقعا، بخلاف حركة الإصلاح والتجديد التي نهض بها (محمد بن عبد الوهاب) في الجزيرة العربية، إذ احتضنتها قوة سياسية داعمة ومناصرة من خلال الاتفاق التاريخي بين الإمامين (محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب) رحمهما الله جميعا، ومن هنا كتب لها القبول والاتزان والتأييد، وأصبح العالم بكل قواه إلى حد كبير يشيد بوسطيتها واعتدالها.ومع ذلك تبقى جميع تلك الجماعات في التاريخ المعاصر ليست بذات القدرة، أو الطرح المقنع، القادر على انتشال المجتمعات الإسلامية مما هي عليه من اختلاف وتشرذم، وفقدان حقيقي للهوية.