رؤية ثاقبة، والتفاتة واعية للظروف والمتغيرات المحلية الإقليمية والدولية التي تحيط بـ (دول مجلس التعاون الخليجي).. هذه الرؤية هي التي أملت على خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فكرة تحويل آلية عمل المجلس من كونه تعاونياً إلى الاتحاد الشامل المتكامل، على ضوء التكتلات والتحالفات بين قوى دولية لها نفس الظروف، حيث أصبحت تلك الدول تنظر إلى الماضي، والواقع، والمستقبل على مسافات متقاربة.
) دسسنا الرؤوس بالتراب بما فيه الكفاية، وصمتنا إلى أن يئس الصمت وخجل من صمتنا، أمسينا لا نعتد بشيء، ولا نفتخر، ولا نتباهى إلا بماضٍِ مشرق، بات اجتراره تقليدياً ومدعاة للتهكم والسخرية من الآخرين.
) في ظل الفوضى العارمة، والنفق المظلم الذي دخلت فيه دول الشرق الأوسط كافة، وسيطرت قوى جديدة على مجريات الأحداث لم تعد فكرة.. (اتحاد الخليج العربي) مجرد مشروع، يحتاج المزيد من الدراسة، والتأمل، والتأني من صنّاع القرار.
عوامل التغيير، وأساليب التهديد والابتزاز أكثر مما يتصوره المواطن الخليجي،الذي لم يستقرئ غالبهم الأحداث بعمق، وتحليل دقيق لمجرياتها، أو على الأقل لم يصغ لبعض ما يطرح على المستوى الدولي.
إذ من شأن سبره للمستقبل وقراءته الصحيحة للأحداث ارتفاع صوته بكل شجاعة، لمؤازرة رؤية طموحة نهض بها خادم الحرمين الشريفين، استشعاراً لمسؤوليته التاريخية، أمام شعوب هذه المنطقة التي تُشكِّل بلدانها ببعدها الاقتصادي، ومكانتها الدينية عوامل قوة وضغط أمام الرأي العام الدولي، فيما لو تحوّل المشروع إلى حقيقة، يحمل كياناً سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، ذا نظرة وقرار موحد.
) ليس هناك فرصة للأسف لالتقاط الأنفاس، في الماضي كانت حركة التغيير تتم خلال عقود من الزمن، اليوم ولأسباب كثيرة أصبح التحول يتم خلال بضع سنوات معدودة.
) المشروع فرصة تاريخية وذهبية للمنطقة، وصوت الشعوب في هذه المنطقة يجب أن يرتفع بالتأييد المطلق، وأن يصل بكل شفافية إلى صنّاع القرار، ولا مكان بيننا لمتخاذل، أو مثبط، أو محبط، أو متذرع بأيّ ذريعة، فمستقبل الأجيال والتاريخ أمانة في الأعناق، والشعوب كانت وما زالت عند الأمم الواعية شريك نجاح لا يمكن تجاهله، أو تهميشه، أو الاستهانة به، ومقومات قيام هذا الاتحاد بين دول الخليج العربي وعوامل نجاحه كبيرة، وليست مستعصية، وإن كان هناك صعوبة فلا بد من التنازلات، والتفهم للواقع، والإدراك العميق لما يدور.
) لم يعد - في منظوري على الأقل - الخطر من الغرب وحده،كما يعتقد الكثير، بل من الدول والأقطار المنهارة والمضطربة من حولنا.
هذه الدول التي يجمعنا بشعوبها أكثر من آصرة، ستُشكّل ضغطاً غير متصور على اقتصاديات دول الخليج، وعلى نسيجه الاجتماعي، وعلى أمنه القومي بالمفهوم الشامل، ولن نستطيع مهما أُوتينا من قوة وقدرة على إدارة الأزمات أن نتخلص من تبعات تشرذم هذه المجتمعات وتفككها.
والخليج بصورته الحالية هو الحصن الأخير، والملاذ الآمن، والركن القوي الذي أصبح العالم العربي والإسلامي يتكئ عليه - بعد الله -، ويعقد آمالاً كبيرة على قدرة قادته، والشعوب من ورائهم على تجاوز هذه الأزمات، والمخاطر المحدقة بمستقبل بلدانهم، وبهويتهم وثقافتهم بشكل عام.
) لو تفاءلنا أمام هذا الواقع والمستقبل المبهم، لقلنا إن هذه الأحداث على قسوتها، وشدة وطأتها قد تكون فرصة لدول (مجلس التعاون الخليجي) لصناعة تاريخ جديد، وبناء قوة اقتصادية، وسياسية، وعسكرية عصرية، تتناغم مع معطيات هذا العصر، وتستوعب المتغيرات، وتتكيّف مع التحديات دون أن تصطدم بها، وبالتالي ستنهزم أمامها لا محالة أحلام الطامعين، أو الانتهازيين من القوى الشريرة، التي أمست تجاهر بعدائها لنا، في كل محفل دولي.
) لم يعد هناك شك، حتى ولو حاولنا التجاهل أن منطقة الشرق الأوسط الجديد يُعاد تشكيل خارطتها، بوعي، أو بدون وعي، عمداً، أو بدون عمد.
هذا التشكيل ربما يكون جغرافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وعسكرياً.
وسيظل مفتاح التغيير والتشكيل بيد القوى المتكتلة، ولا مكان للرأي الأحادي، أو المحايد كذلك.
إذن، زمام المبادرة بأيدينا هذه الأيام، أما في حال التراخي، والتواكل فسنجد من يلتقط هذا الزمام، ويختطفنا بكل ما نملك إلى المجهول، والحلول، أو الأفكار التعاونية قد تكون مسألة اختيارية في بعض الظروف، لكنها في أحايين يُحتاج إلى فرضها، شاء من شاء، وأبى من أبى.
dr_alawees@hotmail.com