أحياناً يتساءل المرء عن جدوى إطلاق بعض أيام السنة على نشاط ما، أو تذكير بحقوق فئة ما، أو ما شابه ذلك، فهل هي مؤثرة في هذا النشاط أو هذه الفئة، أو أن مجرد احتفال العالم بهذا اليوم، أو ذاك، إنما هو أمر إيجابي، يشحذ الهمم، ويسلط الضوء على موضوع محدد، في جميع أنحاء العالم!.
بالأمس، الذي يوافق الثلاثين من سبتمبر، احتفل العالم باليوم العالمي للترجمة، وهو أمر مهم، قد يهم الدول النامية، أكثر من الدول المتقدمة، خاصة أننا ندرك جميعاً بأننا متخلفون بأمور مجتمعية وثقافية كثيرة، على رأسها الترجمة من اللغات المتنوعة إلى اللغة العربية.
لا أريد أن أتباكى على التاريخ، والترجمة في العصر العباسي، وقيمة المترجمين وأهميتهم زمن الخليفة المأمون، بل سأشير إلى مشروعات متميزة في العالم العربي، كمشروع كلمة في الإمارات، وقبله المشروع القومي للترجمة في مصر، فهذان المشروعان، وخاصة الثاني، قدما للعالم العربي الكثير من الثقافات والعلوم والفنون، وهو أمر نتمنى أن يحرض كثيرا من الدول العربية، لتدشين مثل هذه المشروعات التي تقود الأمة إلى العلم والأدب والفن بدلا من انكفائها على الخرافات والجهل.
ومن الطبيعي أن نتوقف أيضاً عند مشروع جائزة الملك عبدالله للترجمة، فهي أيضاً دعم مهم للمترجمين، سواء من اللغات الأخرى إلى العربية أو العكس، وقد تكون مكملاً وداعماً لمشروعات الترجمة والطباعة والنشر.
ولعل من الغريب أيضاً، أن ميزانيات الأندية الأدبية، وميزانيات الجامعات، لا تولي هذا الأمر أي أهمية، بل إن هيمنة الأكاديميين على الأندية الأدبية جعلها تتحول إلى تابع للجامعات، لتبادر بطباعة ونشر الرسائل الجامعية، رغم أن هذا الأمر من شأن الجامعات وحدها، في مقابل تخصيص الأندية ميزانياتها لأنشطة أدبية وثقافية أخرى.
وتزداد الغرابة أكثر، حين نجد تهافت الأندية وتنافسها، على إقامة مهرجانات ومؤتمرات وملتقيات تصرف عليها مئات الآلاف لبضعة أيام، في مقابل أن لا نجد نادياً أدبياً واحداً نذر نفسه لدعم الترجمة ونشرها.
وشأن هذه الأندية، لا يختلف عن شأن وكالة وزارة الثقافة للعلاقات الثقافية الدولية، التي بقيت ما يقارب عشر سنوات، تصرف ما يخصص لها، لسياحة فرقها الشعبية الغنائية في دول العالم، وتجوالها شرقاً وغرباً، وكأنما ثقافتنا هي الغناء والرقص، دون أن تبادر بترجمة وطباعة كتاب واحد فقط.
والأمر ينطبق على كثير من الجهات التي تتماس مع الثقافة بشكل أو بآخر، لأن الترجمة لا تعني شيئاً في عالمنا العربي، ولأن المترجم كاتب فاشل في أحد الحقول، كما يراه العرب، وبكل أسف، رغم أن الأمم لم تتطور إلا حينما نقلت ثقافات الأمم الأخرى وعلومها، إلى لغاتها، وقامت بالبناء فوقها كحضارة إنسانية واحدة.
كم أتمنى أن يفعلها معرض الرياض الدولي للكتاب، هذا العام، ويقوم بتكريم المترجمين، السعوديين والعرب، فهي لفتة رائعة إذا تمت، لهؤلاء المنسيين في ثقافتنا، وإعادة الاعتبار لهم.