قد لا يكون مستغربا في عالم الفن التشكيلي أن نرى أبعاداً دينيةً أو اجتماعيةً تنعكس بجلاء وقوة في الأعمال لنخبة من الفنانين الذين أجادوا بصدق وأصالة التعبير عن واقعهم وتوجيه رسائل بلغة بصرية عن شعائر دينية وإن كان أهمها الحج والعمرة، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، ويمكن القول بأن فناني وفنانات المنطقة الغربية يأتون في المقام الأول بين فناني المملكة في تناول موضوع الحج وشعائره، وأكثرهم وضوحاً في حقيقة الأمر هم فنانو مكة المكرمة حيث لا يمكن إغفال تأثيرها عليهم منذ الطفولة في مراقبة جموع الحجاج وهي تقوم بمناسك الطواف والسعي والوقوف في عرفة و رمي الجمرات وغيرها. فكان من شأن ذلك أن رسّخ منظر الفيض الروحي والإحساس بالحركة في تلك البقعة من الأرض، ذلك دفعهم ليعيدوا رسم خرائط التكوين بما يتلاءم مع عمق إيمانهم الذي شكل المخزون الأول للطفولة والمنبع الروحي الخصب للممارسة الفنية. وهنا أجدني أقف أمام تجربة الراحلين عبدالحليم رضوي ومحمد سيام رحمهما الله، فعبدالحليم رضوي كانت له فلسفته الخاصة التي تبعث الحياة في جزئيات لوحاته ورموزه البسيطة التي جسدت حركة الطائفين والساعين بين الصفا والمروة بين جبال مكة وشعابها؛ عبر العديد من الحلزونات والدوائر المتداخلة؛ لقد قدم لنا الرضوي «السيموطيقيا الإسلامية». وسيام الذي قدم بأسلوبه الرمزي المميز وألوانه المحايدة لوحات بانوراميه متجلية، حلقات متداخلة وحلزونات ملتفة بدفء حول بعضها تصف حال الزمان والمكان في موسم الحج وشعائره، هذا ما يمكن أن يقال عنه التعبير الفني الصادق النابع من الحس العالي والتمكن من أبجديات عناصر الفن لصياغة نصوص بصرية عالية التأثير على عين وقلب المتلقي، وتبقى مثل هذه الأعمال توثيقاً عن مكة في حقبة معينة.