هم أحبابنا من ابناء وإخوان وأقارب، هم أبناء الوطن، هم أنفس بشرية مثلنا نحب لهم ما نحب ويؤذينا ما يؤذيهم، لكن يقلقنا بقاء الحالات الصعبة بيننا بكامل حريتهم دون متابعة بعيون نابهة مفتوحة تعي مهمتها تجاههم جيداً، متابعة مهنية تدرك مساحة تفكيرهم وتفهم منطلقات نظرتهم للمجتمع بحسب إملاءات معاناتهم النفسية العقلية وما يمكن أن ينتج عنها من إيحاءات لا منطقية قد تقودهم لردود أفعال يؤذون بها أنفسهم والغير، وكمثال سأورد حالات موجزة جداً لهذه التصرفات من بعضهم: يوم الجمعة الرابع من أكتوبر أقدم شاب 29 عاماً وصف بأنه مضطرب نفسياً في ينبع على إيذاء نفسه بالارتماء من مكان مرتفع مطالباً بمساواته مع إخوته بالإرث من والدهم الذي لا زال على قيد الحياة، وقبل هذه الحادثة بيوم واحد ذكر ذات المصدر الإخباري (سبق) أن اختصاصياً نفسياً رصد بالصور أحد المصابين بمرض نفسي ملقى بجانب طريق (القصيم الرياض) بجوار محطة وقود, وفي الفترة ذاتها نقلت الأخبار أن شرطة محافظة بيشة تحقق في إقدام شاب مضطرب نفسياً بإحدى قرى المحافظة على دهس والدته المُسِنّة عمداً، أضف إلى ذلك ما نقرأه على صفحات الجزيرة وغيرها من أخبار مؤلمة للمجتمع كله، وهو موضوع كان مدار الحديث في هذه الزاوية وتناولته أقلام من جوانبه المتعددة، ومن ذلكم موضوع تشغيل مرضى نفسانيين أو أشباه المرضى ممن تدل الأعراض المرضية أنهم في المراحل الأولى من المرض الذي يتطور ويتفاعل دون أن يلاحظه المقربون منهم، على اعتبار أنهم باتوا مألوفين لديهم غير أن انتكاسة مفاجئة قد تجعل منهم أفراداً خطرين ولا يمكن التنبؤ بما سيفعلون ومتى يعنّ لهم ذلك، وكلما أجد الدافع للعودة لهذا الموضوع المقلق في ظل تصاعد عدد الحالات المعلنة، فإني أجد الرغبة اللحوحة نحو الرجاء والدعوة الموجهتين لجهات الاختصاص لدراسة هذه الحالات وإصدار النظم والقوانين بشأنها قبل تكاثرها وبالتالي المزيد من المخاطر والوقائع المؤلمة، ولن يستشعر المرء و(المسئول) هذه المصائب إلا حينما يشهدها عن قرب، وتأجيل مثل هذه القرارات إلى أن يحدث ما يجبرنا على اتخاذها أمر هو الآخر يدعو للقلق ومحبط للغاية، ثم إنه يبرهن على غياب المتابعة والتخطيط، فإذا ما حلّت كارثة تدفعنا إلى المسارعة لاتخاذ قرار بشأنها فإن ذلك لا يعد مبادرة، وأرى أن الوقت قد حان لتنفيذ خطة شاملة لانتشال حالات الاضطراب النفسي من المجتمع وإراحتهم بتولي أموهم كل حسب درجة حالته، فإما العلاج والمتابعة من الأسرة مع جهة الاختصاص، وإما الاحتجاز المنظم وتقديم الرعاية لهم، وحكمهم حكم أمثالهم ممن أصيبوا بحالات تعجز عنها أسرهم، وأن يكون القرار صارماً جاداً، وألا يكون المبرر في مثل هذه الأمور التبليغ من عدمه فالمسؤولية مشتركة تبدأ من الأسرة والحي إلى الجهات المعنية، وكنت في حديث سابق قد قدمت اقتراحاً للإدارة المختصة بوزارة الصحة للتعاون مع الإدارة ذات العلاقة بالأمن العام وحقوق الإنسان (أو غيرها) لإعداد أفكار وخطة عمل مدروسة لمعالجة أوضاع هذه الحالات بالتعاون مع ذويهم، مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الأسر قد تجهل أسلوب التواصل مع جهات الاختصاص.