سقوط رهان التطبيع مع واشنطن

أخذت رشات المياه تتزايد في طهران لتخفف من حرارة الحديث عن عودة العلاقات مع واشنطن، فهذه «الرشات» التي أخذت ترطب الأجواء في العاصمة الإيرانية بعد أن أشاعت رحلة حسن روحاني إلى نيويورك للاشتراك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة درجةً عاليةً من الحرارة، أنبأت بأن نظام ولاية الفقيه على استعداد لبدء مرحلة جديدة من العلاقة مع «الشيطان الأكبر»، وأن الرئيس المنتخب الجديد سيكون الأداة التي تمهد الطريق لهذه العلاقة الجديدة، التي يأمل الإيرانيون بأن تكون الوسيلة الناجعة لتخفيف العقوبات المفروضة على إيران، تمهيداً لإلغائها بعد أن ضيقت على الشعوب الإيرانية مما يهدد بثورة جياع تطيح بنظام الملالي.

كانت الآمال قد ارتفعت كثيراً وبخاصة لدى الأوساط الشعبية، إلا أن رذاذ المتشددين أخذ في التكثف ثم تحول إلى رشات مياه مهددة بالتحول إلى أمطار غزيرة تغرق كل آمال من يفكر في التفاهم مع «الشيطان الأكبر»..!!

جريدة كيهان التابعة لمكتب مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي والذي يرأس تحريرها حسين شريعتمداري ممثل ولي الفقيه، هي من تقود «الثورة المضادة» ضد محاولات تطبيع العلاقة مع أمريكا، وقد نشر شريعتمداري العديد من المقالات التي هاجمت توجهات روحاني وتحركات وزير خارجيته، رغم أن روحاني ووزيره لم يخرجا عن تعليمات علي خامنئي، إلا أن المتشددين من تيار المحافظين الإيرانيين يرون أن التقارب مع أمريكا يهدد «الزخم الثوري» لإيران، وأن تقديم التنازلات لأمريكا وبخاصة في مجالات وقف تخصيب اليورانيوم والحد من دعم تصدير الثورة الإيرانية إلى خارج الحدود والالتزام بتحسين العلاقة مع إسرائيل بعد ذلك جميعها تعارض إرث الخميني ولذلك يجب التصدي لها. إذ يرى هؤلاء أن وقف تخصيب اليورانيوم يعني إنهاء البرنامج النووي الإيراني مما يضعف الطموح الإيراني بتكريس إيران كقوة إقليمية كبرى، كما أن التخلي عن دعم المنظمات والأحزاب الشيعة الثورية بموجب الالتزام بوقف تصدير الثورة يحرم إيران من عناصر قوة خارجية عملت الثورة الإيرانية الكثير للاستثمار بها وجعلها أذرعاً خارجية لإيران سواء عبر الانتماءات الطائفية أو الإدعاء بدعم المقاومة والممانعة لوجود إسرائيل في المنطقة، وهو الموقف نفسه بالتخلي عن خطاب الكراهية لإسرائيل الذي وظفه المحافظون الإيرانيون لتقديم إيران الخميني كدولة كبرى تعمل من أجل المسلمين وبالذات الشيعة، ولهذا فلا يجب أن تخسر إيران كل هذا من أجل تطبيع علاقاتها مع أمريكا التي بحسب ما يقوله علي خامنئي نفسه بأنه لا يمكن الوثوق بما تقدمه الإدارة الأمريكية التي لا يمكن أن تخرج عن طوع الحركة الصهيونية.

المراقبون المهتمون بما يجري في إيران يؤكدون بأن التيار المحافظ في طريقه إلى كسب الجولة في مواجهة تحركات روحاني، وأن فورة الترحيب بعودة العلاقات مع واشنطن قد خفتت وأن شعار الموت لأمريكا سيظل ملتصقاً بأنصار ولي الفقيه ولن يختفي إلا باختفاء نظام الملالي نفسه.

jaser@al-jazirah.com.sa