سبق أن كتبت أنّ المملكة باحتضانها كلّ عام مناسبة الحج هو مناسبة وحدث عالمي كبير، ولا يوازيه إلاّ تنظيم كأس العالم لكرة القدم، مع فارق كبير أنّ الدول التي تنظم كأس العالم تنظمها بعد استعدادات تصل أحياناً إلى عدة سنوات وأحياناً أكثر من عشر سنوات،
ولكن المملكة تستضيف هذه المناسبة سنوياً. وكذلك تستضيف المملكة حوالي مليوني حاج من الخارج، وهو أكثر من ثلاثة أضعاف عدد من سيأتي من الخارج لزيارة البرازيل العام القادم في كأس العالم، حيث يقدّر سياح كرة القدم للبرازيل عام 2014م بستمائة ألف سائح.
أستغرب أنّ العالم كله يلتفت كل أربع سنوات إلى الدولة المنظمة لكأس العالم، بينما المملكة تنظم سنوياً مناسبة الحج كأكبر أحداث التاريخ المعاصر، ولا تجد الاهتمام الكافي من المنظمات العالمية ومن دول العالم ومن وسائل الإعلام. هذا مثار استغراب كبير.. هل تكرار المناسبة يؤدي إلى ضعف الاهتمام بها وهذا غير منطقي أبداً.. هل عدم وجود حملات إعلامية خارجية من المملكة هو سبب ضعف الاهتمام؟ وهل ضعف أداء وسائل إعلامنا وتقليدية تغطيتها هو سبب ضعف صورة الحج الخارجية؟ مجموعة من الأسئلة التي أرجو أن تكون محور نقاش تشارك فيه وزارة الحج ووزارة الثقافة والإعلام وأقسام الإعلام بالجامعات السعودية ومختلف وسائل الإعلام السعودي الرسمي والخاص، وربما خبراء علاقات عامة وخبراء إدارة مناسبات دولية.. والسؤال المركزي هو لماذا يغيب الحدث في وسائل الإعلام الدولية، وأنا لا أقصد اختزال المناسبة في ثوانٍ معدودة أو مشهد منقوص من المشاهد الكبرى في الحج؟
إننا ربما لم نضع النقاط على الحروف بالشكل المنطقي، فمثلاً مناسبات كأس العالم يصل فيها عدد الحضور الجماهيري إلى حوالي ثلاثة ملايين في 64 مباراة أو لنقل في 64 حدثاً رياضياً، حيث تشكّل كل مباراة حدثاً مستقلاً بذاته، ومجموع الحضور الجماهيري في كل هذه المناسبات هو الرقم الإجمالي الذي تفاخر به الدول المضيفة لكأس العالم. ونحن في المقابل يجب أن نوضح أنّ مناسبة الحج هو مجموع أحداث تشتملها مراسم الحج، وسأجتهد في تحديد معظم هذه المشاهد الحدثية: المبيت بمنى، الوقوف بعرفة، المرور بمزدلفة، رمي الجمرات في اليوم الأول، طواف الإفاضة، المبيت بمني، رمي الجمرات في اليوم الأول، رمي الجمرات في اليوم الثالث، وطواف الوداع، وزيارة المسجد النبوي الشريف.. بمجموع يصل إلى عشرة أحداث متفرقة على الأقل تستلزم أماكن عديدة.. وإذا نعلم أنّ عدد الحجاج في كل مناسبة من هذه المناسبات يصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص، فيصبح عدد الحضور الذين يتواجدون في كافة المناسبات والمشاهد الرئيسة في الحج يصل إلى أكثر من ثلاثين مليون شخص.. وهذه أرقام كبيرة يجب الالتفات إليها. ولم أذكر شيئاً عن المشاهد الصغرى، فهناك زيارات عديدة لمساجد ومرافق وأماكن كثيرة على خلفية المشاعر الدينية للحج، وهذه المشاهد الصغيرة قد لا يحضرها جميع الحجاج، ولكن يحضرها البعض منهم بمئات الآلاف، وهذا يزيد ويضيف إلى مشاهد الحج المختلفة وبما يرفع أرقام الحضور إلى حوالي أربعين مليون زائر لمختلف مشاهد الحج.
كأس العالم في البرازيل سيتم تنظيمه في 12 مدينة مختلفة ويتوقّع حضور ثلاثة ملايين مشجع رياضي في كافة مناسبات الحدث الرياضي الأكثر اهتماماً لدى العالم، بمن فيهم ستمائة سائح رياضي متوقّع قدومهم من الخارج. وهناك منطق في أن تكون إحصائية الحج بهذا الشكل الجديد الذي يقترحه هذا المقال حتى نستطيع أن نستوعب المشهد العام للحج. فكل حدث من أحداث الحج هو حدث مستقل يستلزم خدمات لوجستية هائلة وخدمات تنظيمية أمنية استثنائية في كل مشهد من مشاهد الحج الكبرى. ويجب أن ندرك أنّ كل مشهد هو مختلف في التنظيم والإدارة رغم وجود إدارة مركزية للحج.
هناك ثلاثة جوانب مفقودة ولا زلنا نبحث عنها في التغطيات الإعلامية والاتصالية، أولها: تغطيات كافة المشاهد الكبرى والصغرى لمراسم الحج، ويجب عدم اختزالها في مشهد ثواني بات متكرراً للوقوف بعرفة في بعض محطات العالم، فهناك قصص إنسانية وأعمال ومشاعر وقيم يجب أن تدخل في هذه التغطيات؛ وثانيها: جهود القوة العاملة في خدمة الحج، فهناك عشرات وربما مئات الألوف من الأشخاص في كافة القطاعات تساهم في ضبط إيقاع الحراك الجماهيري والحشود الهائلة وتقديم كافة الخدمات، في منظومة كبيرة وشبكة معقّدة من التجهيزات الفنية تدعمها كوادر بشرية مدرّبة؛ ثالثاً: البنية التحتية التي تضعها حكومة المملكة العربية السعودية تستثمر فيها مئات المليارات، من أجل تسهيل وتنظيم مراسم الحج في هذه المناسبة. ولهذا أرى أنّ القصور لايزال كبيراً في التغطيات الإعلامية المحلية والدولية، ونحتاج أن نناقش الموضوع على مستوى وطني كبير حتى نشخص المشكلة ونبني اتجاهات الحلول الممكنة.