من المؤكد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما كان في موقف المتردد من الضربة العسكرية المزمع توجيهها إلى أركان النظام العسكري للرئيس بشار الأسد.. وهناك خطوات عديدة دخل فيها باراك أوباما تظهر تردده المتنامي مع قرب الاستحقاقات العسكرية المفترضة،
وأولى هذه الخطوات هي رفع موضوع الضربة إلى مجلسي الكونجرس (النواب والشيوخ)، وكأنه يريد تشجيعاً ودعماً تشريعياً وتحفيزاً معنوياً، ثم بدأت الخطوة الثانية بالتفكير للعودة إلى مجلس الأمن الذي يعلم علم اليقين انه سيتصدى لأي إجراء عسكري مقترح من خلال فيتو روسيا أو الصين أو كليهما.. وبهذا يكون قد وضع الرئيس باراك أوباما نفسه فوق الشجرة ولا يعرف هل يبقى هناك أو يتسلل بخفاء للنزول أو أنه ربما يسقط سقطة كبيرة على الأرض..
ولكن الجانب الإيجابي في خطوات باراك أوباما هو أنها خطوات فرضت استدعاءات من الجهد والوقت والطمأنينة تؤدي إلى مزيد من تقوية الحجج وربما مزيداً من الحشد، والأهم مزيداً من القلق والتوتر لدى بشار الأسد وزمرته الطاغية والضغط عليها مما جعلها عرضة لتخبط سياسي كبير. ولا شك أن الساعات تمر طوالا والوقت يزداد طولا والنفسيات تتعقد والعصبيات تنمو وتتوتر..
وخلال مثل هذه اللحظات طرأت فجأة مقترحات تسليم النظام السوري لأسلحته الكيماوية عبر خطة روسية لتفادي الضربة العسكرية.. وبهذه الخطوة يكون الأسد قد وافق على التخلي عن أسلحته الاستراتيجية التي كان يدعي أنها قوة ردع ضد إسرائيل.
وسيفتقد هذه القوة وربما سيتم تجريده من أسلحة صاروخية أخرى إضافة إلى أنه سيكون قد استباح سوريا للتفتيش الدولي الذي سيتجول أين أراد، ولن يستطيع النظام ردهم من التفتيش في أي مكان حتى مقار الرئيس السوري ومؤسساته السياسية.
إن سقطة الأسد ونظامه السياسي تأتي قوية جداً لكونه فشل في حربه ضد قوات الجيش الحر المناهض للنظام القمعي الذي دام أربعين عاما، وفشل الأسد في استتباب الأمن في بلاده، وفشل في المحافظة على سيادة الدولة السورية من خلال ما يبدو أنه قرار لمجلس الأمن في التدخل في سوريا في كل مكان بحكم التفتيش على الأسلحة الكيماوية، بما في ذلك التفتيش على قوات حزب الله والقوات الإيرانية المتواجدة جنباً إلى جنب مع القوات السورية في محاربة الشعب السوري..
وكما باراك أوباما يبدو كأنه فوق الشجرة فبشار الأسد هو كذلك فوق الشجرة ولن تغمض عيناه وهو يري تواصل قوات الجيش الحر وتقدمها وإصرارها، ويرى لجان التفتيش تواصل الدخول إلى سيادة التراب السوري وتخترق خصوصية النظام.. وربما سيكون القرار في باطنه موافقة بضرب النظام السوري على خلفية البند السابع إذا وجدت اللجان مماطلة أو تعنتاً أو إعاقة لحركة عملها الجديد في سوريا.
نحن متأكدون أن الكثير من السوريين الشرفاء يرون في موافقة نظام بشار الأسد المتوقعة على التفتيش هي أشبه ما تكون بالخيانة العظمى للقدرات السورية، وهي بهذا استبدلت بقاء النظام بالتضحية بكل شيء تمتلكه سوريا.. أو استبدال القوة الاستراتيجية لسوريا ببقاء بشار الأسد.. في العالم الناس يضحون في سبيل الوطن، لكن بشار الأسد فضل التضحية بالوطن في سبيل بقاء بشار الأسد وطغمته الفاسدة.
ولكن من المؤكد أن قرار مجلس الأمن الذي ستضع مسودته فرنسا سيكون فيه بالضرورة إحالة بشار الأسد إلى محاكمة دولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية واستخدامه للسلاح الكيماوي ضد شعبه الأعزل وضد الأطفال والنساء.. ولهذا فسيكون السيناريو المتوقع والمفترض هو تسليم الأسلحة الكيماوية وتدميرها ثم المثول إلى محاكمات دولية له ولأركان نظامه المشارك في المذابح الكيماوية.. وقد يرى البعض أن نظام بشار قد نجا من التدخل العسكري ولكنه في حقيقة الأمر يكون قد دخل مرحلة أخطر من مرحلة استقباله للضربة العسكرية.. وهو بهذا يكون قد حكم على نظامه بالموت السياسي والموت الجنائي.
alkarni@ksu.edu.saالمشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام - رئيس قسم الإعلام بجامعة الملك خالد