زهرة العمر: تعليمي الجامعي بأمريكا وتجربة العمل بجامعة الملك سعود
الابتعاث لم يعد حكرا مطلقا:
كان الابتعاث على ما أعرف قد بدأ بالتحول عن مصر ولبنان والباكستان والهند وبعض بلاد أوروبا الغربية متوسعا نحو أمريكا الشمالية منذ منتصف الستينات من القرن الماضي، كما أنه بانتظام مشروع التعليم الحكومي لم يعد مقتصرا على أبناء
الطبقة التجارية العليا والمستنيرة بمنطقة الحجاز غالبا والشرقية لحد ما ونجد بشكل محدود مثلما كان الأمر في الأربعينات والخمسينات. هذا إضافة إلى توسع بعثات نهاية الستينات إلى نهاية السبعينات لتشمل عددا رمزيا جدا من الطالبات بما لم يجعل الابتعاث الخارجي لذلك العقد حكرا مطلقا على الطلاب. فكان من اللافت والملهم عند البعض بل والمستنكر عند بعض آخر وقتها انضمام عدد وإن كان صغيرا جدا ممن يسمى عادة في مجتمع ذي طباع قبلي محافظ (بنات «الحمايل») إلى بعثات الخارج الحكومية، وإن كان من المتعارف عليه في الذاكرة الشفهية على الأغلب أن «أغلبية» تلك «القلة القليلة» من البنات كانت تنحدر من أسر لها احتكاك بالعالم العربي كمصر ولبنان والعراق والبحرين ومواقف الأهل في بعضها و»خاصة الآباء» تحمل بعض التطلعات المستنيرة للمستقبل السعودي أسوة بالنزعة القومية التحريرية وقتها بالجوار العربي. ولا بد أن هناك من يتذكر أو عرف فيما بعد أن من أوائل مبتعثات الحكومة أو الأهل للخارج ومن أوائل خريجات أمريكا للدكتوراه في العلوم الإنسانية من النساء السعوديات لتلك المرحلة أي من نهاية الستينات إلى نهاية السبعينات د. ثريا عبيد ود. ثريا التركي ود. فاتنة شاكر ود. هند الخثيلة لاحقا ود. عائشة المانع تزامنا ولا بد أن هناك أخريات، غير أن الكثير من أولئك الأخريات كن على ما أعتقد، ممن شملتهن البعثات الحكومية في صحبة أزواجهن كدكتورة ابتسام صادق وآمنة عقاد، منيرة الناهض وعزيزة النعيم، وعدد أوسع بقليل من الطالبات متزوجات أو بنات في بعض التخصصات الطبية.
النواة الأولى من رعيل الدارسة بالخارج
والدكتورات السعوديات
«لا أقصد بهذا العنوان اقتراح أي تمايز اجتماعي بين النساء في مجتمع يقوم على لحمة حرة أراها نادرة ومتقدمة في علاقة التعاضد بين النساء والنساء بالمجتمع السعودي، وأقول ذلك من تجربة شخصية وعملية دائماً وجدت نفسي بها متآزرة ومؤازرة بأخوة وصداقة النساء الشفيفة والصادقة . ولكن هو مجرد إشارة لدرجة علمية كانت في لحظة مجتمعية ولا تزال تعبيرا ليس فقط عن توق لانعتاق معرفي ولكن لانعتاق اجتماعي أيضاً من المقعد الخلفي للبعض من النساء، بغض النظر عن مصداقية أو وهمية هذا الاعتقاد على أرض الواقع.»
إلا أن الطريق المعرفي للدراسات الجامعية والعليا بدأت كما ذكرتُ بالثريتين وفاتنة وهند وعائشة على حد علمي ومعرفتي بهن، فكانت هذه الكوكبة الصغيرة النواة الأولى (حسب علمي)، ثم لحقتها أسراب نسائية صغيرة لجامعات أمريكية عربيا أو بأمريكا وبعض أولئك الطالبات كن بصحبة الأشقاء كبنات العنقري والمشاري وفدعق وعدد آخر.
وممن التقيت أو عرفت أو زاملت عن قرب منهن أثناء الدراسة أو قبلها أو لاحقا، تمام العنبر/ بالجامعة الأمريكية، آسيا وناديا الجزار، بنات الحارثي ليلى واعتدال، الجوهرة محمد العنقري وهيفاء عبد الله العنقري، بنات السويغ سهام وهدى وإلهام، فاطمة سالم الخريجي، نورة أبا الخيل، سميحة بنت الشيخ صالح الحيدر، بنات الملوح والخيال والحسيني، بنات عبد العزيز المعمر - رحمه الله - حصة وهيفاء وأخواتهما، بنات الشيخ حمد الجاسر مي وسلوى وهند ومنى، بنات الدباغ ومنهن آمنة، بنات المشاري ومنهن ليلى، بنات المنقور وعلى رأسهن شعاع بنت عبد المحسن المنقور وكذلك نوال المنقور، حياة الماضي، ليلى طه الضليمي، نبيلة عبد الرحمن التونسي، آمال فدعق، سناء منصور، أحلام القصيبي، بنات القبلان بدرية ونوال، بنات باعشن ومنهن وديعة ولمياء، بنات اليوسف فوزية وهدى، بنات الغنيم / البندري ونورة وفوزية، خيرية الأصقه، وداد الرشيد، خولة العيسى، نورة الصويان، هيا العبودي، بنات المانع ومنهن عائشة وفاطمة/ عزيزة وسعاد وأخريات، مع حفظ الألقاب للجميع ومع الاعتذار ممن لم أذكر فالقائمة رمزية.
مباهج الريادة وتجرحات الرحلة
وتلك المجموعة من البنات وأنا من ضمنهن نبقى قلة ممن أسعفها الحظ أو وعي أو طموح بعض الأسر المبكر لمجابهة وحشة الطريق غير المطروق الذي تحدث عنه الشاعر الأمريكي روبرت فروست. وإن كان لذلك الطريق وهجه ورهبته ومباهج الريادات وصعوباتها على امتداده عبر منتصف الستينات والسبعينات إلى مطلع الثمانينات قبل ما يقارب التوقيف شبه التام خاصة لبعثات البنات، فقد صار له أثمانه على الأهل والبنات معا من منتصف الثمانينات . وقد وجدت تلك الهجمة متنفسا علنيا في إعقاب «تجربة قيادة السيارات لمجموعة من السيدات « بمدينة الرياض في التسعينات وإن كانت الأتون قد بكرت في حق بعض قليل آخر وأنا من ذلك القليل.
لقد كانت مرحلة قلق مكبوت وموجع في آن من المنتصف الثاني للثمانينات وعبر التسعينات الميلادية لكثير من القوى الاجتماعية الشبابية وأجيال التعليم والثقافة غير التقليدية، خاصة في مرحلة ما قبل الصحو من الصحوة مع مطلع الألفية الميلادية الثالثة وأحداث 11 سبتمبر والطفرة البترولية الثانية وتباشير مستجداتها. هذه المرحلة تستحق تفاصيلها الكثير من الاستعادة والمراجعة النقدية والتحليل ولو على مستوى التجربة الشخصية المباشرة وإن كانت قراءتها في سياق التاريخ الاجتماعي متعة عقلية وواجب معرفي ووطني لازلنا نطمح إلى العودة إلى تسجيله أولا وقراءته قراءة تحليلية ما أمكن، إذا سمح الوقت بذلك، في مراحل لاحقة من هذه السيرة الذاتية الناقصة لتيار جماعي ليكتمل.
تتبع لقطات مختطفة من كاميرا الذاكرة لتجربة الدراسة بأمريكا والعمل بجامعة الملك سعود.