تعقيب وزير العمل المنشور في جريدة «الجزيرة» يوم الاثنين 24-11-1434هـ تَضمَّن أول إقرار رسمي من قبل وزارة العمل بتفشي السعودة الوهمية، وهذه خطوة متقدِّمة في التعامل مع هذه المشكلة المتفاقمة، إلا أن الوزير ألقى باللوم على الشباب وأصحاب العمل في اتساع نطاق هذه الظاهرة، التي وصفها بالمرضية التي تستحق التمحيص والتأمَّل والدراسة لكنه لم يُحمل وزارته أيّ مسئولية عن ذلك.
والحقيقة أن المسئول الأول عن تفشي السعودة الوهمية هي وزارة العمل وليس الشباب وأصحاب العمل، فهي من طبَّقت برنامج يدفعهم دفعًا نحو السعودة الوهمية وهو برنامج نطاقات، الذي لا يكافئ فقط على السعودة الوهمية من خلال منح مزيد من التأشيرات للمتحايلين وإنما حتَّى يُسهل عملية الاستقدام عليهم بشكل غريب.
كما أن هذا الإقرار يتناقض مع الاحتفالية التي تبديها وزارة العمل بهذه السعودة الوهمية حين تتفاخر بأنها بفضل تطبيق برنامج نطاقات استطاعت حتَّى الآن توظيف ما يزيد على 700 ألف مواطن في القطاع الخاص، أيّ أنها في أقلِّ من عامين قد استطاعت مضاعفة عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص تقريبًا، فلو كان هذا صحيحًا فإنَّ برنامج نطاقات يجب أن يكون أنجح برنامج توظيف في العالم، وأن تكون وزارة عملنا الأكفأ أداء على مستوى العالم.
لكن الواقع على الأرض يثبت أمرًا مختلفًا تمامًا، فبيانات مصلحة الإحصاءات والمعلومات التي أعلنت هذا الأسبوع تظهر أن معدل البطالة في المملكة يبلغ الآن 12 في المئة مقارنة بـ 10.5 في المئة في عام 2009م، وأن عدد العاطلين قد ارتفع إلى 629 ألف مقارنة بـ 463 ألفًا في عام 2009م. وإن كان تَمَّ توظيف 700 ألف سعودي إضافي كما تذكر وزارة العمل فلا بُدَّ أن يكونوا قد جاءوا من كوكب آخر، فلو كان من تَمَّ توظيفهم من العاطلين عن العمل للزم أن يكون معدل البطالة في المملكة الآن صفر بالمئة لا أن يتزايد عدد العاطلين بشكل كبير، وهو ما يؤكد أن معظم ما تحقق سعودة وهمية لا تعدو في الغالب تسجيلاً لطلاب وطالبات وربات البيوت ونحوهم في نظام التأمينات الاجتماعيَّة ولم يكن توظيفًا حقيقيًّا لعاطلين عن العمل. أيْضًا إن كان صحيحًا أنّه قد تَمَّ توظيف كل هذا العدد في القطاع الخاص فإنَّ هذا القطاع لن يكون بحاجة إلى زيادة كبيرة في الاستقدام، بل يلزم أن يحدث العكس ويكون هناك انخفاضٌ كبيرٌ في التأشيرات الصادرة لهذا القطاع. إلا أن إحصاءات وزارة العمل تظهر أنّه في عام 2012 استقدمت منشآت القطاع الخاص 1.666.498 عامل بزيادة هائلة قدرها 33 في المئة مقارنة بعام 2011م، وهو ما يؤكد استغلالاً سافرًا من قبل وحدات القطاع الخاص لسهولة الاستقدام التي أتاحها لهم تطبيق برنامج نطاقات وتزايد في اعتماد هذا القطاع على العمالة الأجنبية. إن بدء اعتراف وزارة العمل باتساع نطاق السعودة الوهمية خطوة تقدّر لها لكن يلزم أن يتبعها خطوات أخرى أكثر شجاعة أبرزها وقف برنامج نطاقات وتصحيح كامل الضرر والتشوّهات في سوق العمل التي نتجت عن تطبيقه، يلي ذلك البحث عن برامج بديلة أكثر واقعية من برنامج نطاقات الذي لم يكن أصلاً يملك أيّ فرصة للنجاح.