تصريح وزير الاقتصاد والتخطيط حول الحاجة إلى رفع مستوى إنتاجيَّة العامل السعودي قد يفهم منه أنها مسئولية تقع على عاتق العامل نفسه، بينما الحقيقة أن من يتحمل المسئولية الأكبر عن انخفاض إنتاجيَّة العامل السعودي والقوى العاملة في سوق العمل السعودي بشكل عام هي وزارة الاقتصاد والتخطيط نفسها. فهامشية دورها التخطيطي على مدى أربعة عقود تسبب في تدنٍ حادٍ في كفاءة استخدام كافة مواردنا بما في ذلك القوى العاملة وجعلنا غير قادرين على حلِّ معضلات اقتصاديَّة عديدة رغم كل ما نتمتع به من موارد.
وفيما يتعلّق بانعكاسات غياب التخطيط الاقتصادي السليم على معدلات إنتاجيَّة القوى العاملة فإنَّها تتجلَّى في التالي:
1- أن كل جهود تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط لم تجد ولم تحقق أيّ ثمرة حقيقية، فبعد تسع خطط خمسية كان هدفها الرئيس تنويع القاعدة الإنتاجية، نحن الآن أكثر اعتمادًا على قطاع النفط من أيّ وقت مضى، بحيث أصبح من غير الممكن قيام قطاع خاص قادر على النمو والتطوّر ذاتيًّا ومستوعبًا للقوى العاملة المواطنة، وبدلاً من ذلك أصبح قطاعًا طفيليًّا يعاني من تدنٍ في مستوى الإنتاجيَّة يعتمد على العمالة الأجنبية والدعم الحكومي، وهذه مشكلة تخطيطية في المقام الأول.
2- إن عدم وجود خطة فاعلة لتحقيق اعتماد أكبر على العمالة المواطنة في القطاع الخاص اضطر الدَّوْلة إلى توسيع استيعاب العمالة المواطنة في قطاع عام متضخم تفاديًا لمشكلات أكبر قد تترتب على تفاقم مشكلة البطالة، وهذه مشكلة تخطيطية بامتياز.
3- إنه حتَّى عندما بدا واضحًا ضرورة استيعاب العمالة المواطنة في قطاع عام متضخم لم تراع الاحتياجات الفعلية للأجهزة الحكوميَّة ولم يتم استيعاب هذه العمالة الإضافية في أجهزة تعاني من نقص نسبي في عدد العاملين، وأصبحت عملية التوظيف عشوائية تكدست بسببها العمالة المواطنة في جهات حكومية لا تحتاج إلى خدماتهم وأصبح من الطّبيعي تدنِّي إنتاجيتهم، وهذه أيْضًا مشكلة تخطيطية.
4- إن القائمين على التخطيط الاقتصادي في المملكة لم يكونوا مدركين للمخاطر التي كانت ستترتب على فتح الباب على مصراعيه لاستقدام عمالة ذات مهارات وأجور متدنية، المتمثلة في تحوَّل الاقتصاد السعودي إلى اقتصاد يخلق في الغالب فرص عمل تتطلب مهارات متواضعة متدنية الأجر تناسب فقط العمالة الأجنبية، مما حدّ من إمكانية استيعاب العمالة المواطنة في القطاع الخاص كون معظم وظائفه تناسب فقط عمالة أجنبية أمية أو شبه أمية، وكل ذلك ناتج عن غياب التخطيط الاقتصادي الإستراتيجي المستشرف للمستقبل.
لكل ما سبق فإنَّ كرة رفع إنتاجيَّة العامل السعودي والقوى العاملة بشكل عام في سوق العمل في المملكة هي في ملعب وزارة الاقتصاد والتخطيط، وما لم تبدأ هذه الوزارة في تحمل مسئولياتها والاضطلاع بدورها التخطيطي فعلاً فإنّ مشكلاتنا الاقتصاديَّة بما في ذلك تدنِّي إنتاجيَّة القوى العاملة لن تحلّ بل ستزداد حدة.
alsultan11@gmail.comأكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam