دعتنا هيئة شؤون الإعلام في مملكة البحرين لمناقشة واحدة من أهم الموضوعات التي تحتاج إلى تفكير عميق، وإلى بحث جاد، وهو علاقة الإعلام بالأمن الوطني في دول الخليج، وشارك في هذا اللقاء نخبة مختارة من رؤساء تحرير وباحثين وكتاب وأكاديميين متخصصين.
ويبدو أن إيران بقيت في المقدمة، دون منازع على الصدارة في تهديد الأمن القومي الخليجي بحسب آراء الحضور،
وكلما حاول الزملاء الخروج من دائرة التهديد الإيراني للانشغال في ما اجتمعنا من أجله وهو ارتباط الإعلام كمهنة وصناعة بالأمن الوطني يفشلون ويتوسع النقاش أكثر في هذه النقطة، ويُعذر من لا ينفصل عن هذا الهم الذي لازم أبناء الخليج لسنوات وسنوات. نحن أمام خطر لا يمكننا تجاهله، وسيؤذينا التقليل من أهمية تأثيراته، وسينهينا التخاذل في مواجهته، ولا نستطيع في الغالب المبادرة في ردعه ما لم نلمسه وتمسنا نيرانه، لأننا لا نفضل الاعتداء وهو ليس من أخلاقياتنا.. إذاً علينا سد الثغرات وتعطيل المخططات، وتفعيل مقدراتنا الاستخبارية والأمنية، والحفاظ على جبهتنا الداخلية.
جميل جداً أن نناقش هذا الأمر بتعمق، والأجمل أن يكون مكان النقاش “المنامة”، العاصمة الخليجية التي عاشت رعبا لم تشهده عاصمة خليجية من قبل، حتى الكويت التي غزاها الغدر العراقي في عهد صدام، ولا أبالغ، فقد شهدت أحداث البحرين، وعايشت تفاصيلها لحظة بلحظة، ودونتها في كتابي “أيام في البحرين، قراءة في عين العاصفة”، نناقش تهديد أمننا الوطني في ملتقى يضمنا في الحبيبة “المنامة”، وهي في كامل أناقتها، وقد اختفت تقريباً آثار الدرس القاسي، الذي ألهب الخليج.. لماذا أسميه درساً؟ لأن الأخطاء التي أدت لما حدث في البحرين في 2012 كان يمكن تلافيها منذ زمن، ولأن الخليج قبل أحداث البحرين يجب أن يتغير ويتعلم مما حدث، ولا يتعلم الحاذق إلا بعد درس وتجربة، والتغير هذا يجب أن يكون في صالح التقارب، ووضع الخلافات جانباً عندما يتعلق الأمر بالأمن.
يقول البعض إنكم تشيطنون إيران، وتجعلونها فزاعة وتعلقون عليها كل ما لا يعجبكم!
أجزم بأن هؤلاء لا يعرفون إيران ولا يطلعون على ما تنشره الصحافة الإيرانية، ولا يستمعون لما يقوله المسؤولون الإيرانيون، ولا يدركون حجم الأعمال الاستخبارية بالغة الخطورة التي تقوم بها إيران في المنطقة، وتضاف لاستغلالها البشع للمذهب الشيعي، وتأليبها لإخواننا الشيعة العرب.
ولا يعرف هؤلاء وغيرهم كثير، ربما لا يعلمون بأن إيران لا تخطط على المدى القصير، بل تخطط على المدى البعيد، وترسم تحالفاتها بدقة، وتتعامل في السياسة بأسلوب زئبقي، ظاهره الذكاء وباطنه الخبث، وتغطيه هالة ديبلوماسية تزينها براءة مصطنعة. وقلت في مقال سابق إن إيران موجودة على حدود كل الدول العربية تقريباً، وأضيف بأنها اليوم تسعى لاقتحام مناطق نفوذ جديدة، ومن يريد الاستزادة عليه البحث عن الدور الإيراني المشبوه في إفريقيا على سبيل المثال.
ويفتح لنا موضوع الدور الإيراني في إفريقيا، علاقة إيران بنظام عمر البشير في السودان، وهذا البشير الذي يعيش في مأزق هذه الأيام بسبب الاحتجاجات التي تشهدها بلاده بسبب ممارسات حكومته الاقتصادية، وهو من المقربين للنظام الإيراني، والعلاقة توطدت بعد زيارة رفسنجاني للخرطوم في عام 1991 واستمر التنسيق في جوانب مختلفة وتبع الزيارة زيارات متعددة، وتركز الدعم الإيراني على الجوانب العسكرية والعون الاقتصادي، لتقوية البشير واعتباره رجل إيران في شرق إفريقيا، وكمحور مهم فيما يسمى “سياسة البناء” التي أطلقها رفسنجاني وقت رئاسته واستمرت.
إذا تحدثنا عن الأمن الوطني لأي دولة عربية وخصوصاً في الخليج فلا يمكن تجاهل المهدد الأول، ومن يتحدثون عن تقارب أميريكي إيراني بعد المكالمة التي “هزت الشرق الأوسط” كما وصفها الأستاذ عبدالرحمن الراشد في مقاله الرائع في “الشرق الأوسط” اللندنية، فلا أعتقد أبداً أن ضعف وتردد الرئيس أوباما يمكن أن يقوده إلى حماقة تصديق الثعلب!