السعودية الأرض والإنسان والدولة، ليست بلاداً مُنحت المكانة بالصدفة، وليست أمنية حققها الحظ!
هنا وطن أخذ استقراره بأيدي رجاله، دماً وعرقاً وتضحيات، وتوفيق الله يسبق كل أسباب التحول من الشتات إلى الوحدة، ومن الفقر للغنى ومن الخوف للأمن.. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها، فالوطن الذي نعيش فرحته بيومه الوطني،
لم تخلقه القوى العظمى، ولم تفرضه إرادة غير إرادة الله أولاً ثم إرادة أبنائه الذين بايعوا رجلاً منهم، حكم أجداده بالعدل مستلهمين من الدين الإسلامي قيم الحكم الرشيد، رجل بأمة وأمة في رجل هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -رحمه الله- الذي خاطب شعبه ذات يوم من أيام النهوض بالدولة قائلاً: “على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى.. وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق، أو البريد المجاني على نفقتنا... وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا ولو كانت موجهة ضد أولادي وأحفادي وأهل بيتي”.
كما أصدر أمراً سامياً برقم 3703 في 25-9-1371هـ- 1951م نشرته الصحف آنذاك ونصه: “تعميم إلى كل من يطلع على أمرنا هذا من أمراء وموظفين، والمعني بهم بصورة خاصة مأموري البرق والبريد في سائر أنحاء المملكة، حيث بلغنا أن بعض شكايات ترفع لنا، ولذلك نأمر بما يأتي:
أولاً: كل شكاية ترفع لنا عن طريق البرق والبريد من أي شخص كان يجب أن ترسل لنا بنصها بدون أي تحريف، ولا يجوز تأخيرها، ولا إخبار المشتكى منه سواء كان أميراً، أو وزيراً، أو أكبر من ذلك.
ثانياً: من ثبت بأنه أخّر، أو أوقف إيصال شكاية لأي سبب من الأسباب يعتبر مسؤولاً يجازى بالعقوبات الصارمة.
ثالثاً: كل مأمور برق مُنع، أو نُبّه عليه من أي جهة من الجهات، بتوقيف إرسال أي برقية لنا، عليه أن يرفع شكواه لنا حالاً، ونحن نحقق في شكايته، ويجازى المخالف لأمرنا.
رابعاً: سنبعث من حين لآخر هيئات تفتيش تمر على سائر مراكز الدولة للتحقيق في كل ما ذكرنا في أمرنا هذا.
خامساً: ينبغي على كل أمير من أمرائنا في سائر أنحاء المملكة أن يُعلن بياننا هذا على سائر الرعية بسائر طرق النشر المعتادة، ففي الحجاز يعلن في الصحف، وفي الملحقات يعلن بحضور الأمير والقاضي في مسجد الجامع، ويخبر سائر الرعايا أن بابنا مفتوح لكل ذي ظلامة، وإذا حيل بين أي شخص، ورفع شكواه إلينا فسيلقى المظلوم لا شك نصره، وسيلقى الظالم ما يستحق من العقوبة.
وبهذا نبرئ ذمتنا أمام الله بشأن الراعي والرعية، فنسأل الله أن يتولانا جميعاً بتوفيقه ويحوطنا برضوانه”.
ويتضح مما سبق في كلمات المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- نهج الحكم الذي أسس له، وأنه ملك لا يفصل نفسه أو أسرته عن شعب هو منهم وهم قريبون منه، لا ظلم في نهجه ولا تعد ولا تفرقة بين أمير ومأمور، وفي كل كلمة من كلماته، وفي كل وثيقة من الوثائق يرى فيها القارئ والباحث، أن هذا الرجل أسس لما يمكننا تسميته “ثقافة الحكم السعودي” وهي ثقافة جمعت الدولة بمدنيتها وتحضرها، والتعامل الإنساني بكل معانيه النبيلة، والتدين الصادق، والحزم عند اللزوم دون إفراط أو تهميش للعدالة، والحفاظ على الترابط الاجتماعي والتأكيد على أن بيت الحكم جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي.
ولأن أبنائه كانوا حاضرين وبعضهم مشاركون في أعمال إدارة شؤون البلاد في عهده، فقد تشربوا هذه الثقافة، وعملوا بها ولم يحيدوا عنها، إلا أننا بحاجة لعمل توثيقي متخصص يجمع كل الوثائق المتعلقة بالشأنين الداخلي والخارجي لتخرج للأجيال التي لم تعاصر مؤسس هذه الدولة على شكل سلسلة كتب أو أفلام وثائقية ذات جودة عالية.
وهنا يجب أن أذكر الدور الكبير الذي تقوم به دارة الملك عبدالعزيز التي يشرف على أعمالها ولي العهد الأمين -رعاه الله- وسموه يتعلم منه المؤرخون والمهتمون في هذا الشأن، وهذه حقيقة لا مجاملة فيها، ويعرف الجميع حرص سموه -أيده الله- على تراث تلك المرحلة المهمة التي أسست للدولة الحديثة، ومن معالم تلك المرحلة قصر المربع، الذي كان بجانب بيوتاته رحمه الله، يدير فيه شؤون الدولة، والذي يلقى رعاية وعناية كبيرين من الدارة إلا أنه إحيائه واجب، وذلك بعمل استقبال سنوي رسمي في باحته، وبعمل فعاليات وطنية من ضمنها مثلاً إطلاق جائزة وطنية كبرى باسم “الملك عبدالعزيز” بأفرع مختلفة، تمنح للمبدعين والبارزين وللقيادات الحكومية التي قدمت للوطن مجهودات مخلصة، تمنح كل عام في قصر المربع برعاية كريمة من القيادة.
لعبدالعزيز قصة في كل بيت، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن ماء الغرب إلى ماء الشرق، عبدالعزيز بنى الوطن وبنى الإنسان، ووعد فأوفى، جزاه الله عنا خير الجزاء لما قدمه لأمته ووطنه ومواطنيه. ورحم الله أبناءه سعود وفيصل وخالد وفهد وحفظ الله عبدالله وسلمان.
وطننا سائر بثقة وطموح ولا تثنيه أحقاد الحاقدين ومكر الماكرين.. كل يوم ووطننا بخير
Towa55@hotmail.com@altowayan