موضوعنا اليوم مكرر حول الجمعيات العلمية، لعل التوقيت هذه المرة يسمح بإعادة النظر في وضع هذه الجمعيات، التي يتم الإصرار على ارتباطها بالجامعة، وفي نفس الوقت تسميتها وطنية. مصطلح الجمعية الوطنية أو السعودية يعني أنها جمعية تخدم جميع المتخصصين والمهتمين في جميع أرجاء الوطن وجميع قطاعاته، وليس الجامعة فقط، كما يعني أن أعضاءها والمنتمين إليها وإلى تخصصها هم الأولى والأعرف والأقدر على اختيار من يرأسها وعلى اختيار مقرها وعلى تحديد نظامها الرئيس، فهل هذا يحصل في غالبية الجمعيات القائمة والتي في طور الإنشاء؟
الواقع هو ترؤس الجمعية العلمية من قبل عضو هيئة تدريس بالجامعة التي تبنت تأسيسها، والإصرار على أن يكون مقر الجمعية الدائم بالجامعة التي قامت بتبنيها، وربما لا أبالغ إن قلت بأن هذا أحد أسرار المسارعة في تبني إنشاء الجمعيات العلمية، فكل يريدها أن تتبع لجامعته ليضمن السيطرة الإدارية والاجتماعية عليها.
الإشكالية هنا تكمن في أنه ما أن تصدر الموافقة على قيام جمعية علمية في جامعة ما، حتى تفرض على الآخرين في التخصص أو المهنة وتسمى باسم وطني ولا يسمح بإنشاء جمعية مماثلة بجامعة أخرى أو قطاع آخر، فوجود جمعية تربوية بجامعة الملك سعود يعني عدم إمكانية وزارة التربية والتعليم من إنشاء جمعية تربوية رغم أن منسوبيها قد يتفوقون على منسوبي الجامعة كماً وكيفاً في التخصص، بل إن الفائدة الوطنية قد تكون أكبر في احتضان وزارة التربية والتعليم لمثل تلك الجمعية، بل إن هناك جمعيات صدرت الموافقات عليها منذ فترة ولم تبدأ نشاطاتها بعد، لأن أعضاء هيئة التدريس بالقسم الأكاديمي الذي تبناها، مشغولون عنها أو لم يتفقوا على تفاصيل قيامها، وبالتالي قاموا بحرمان الآخرين من الاستفادة من نشاطها المفترض أو نشاط أية جمعية مماثلة..
هناك حلان لهذه الإشكالية، إما أن تصبح الجمعيات العلمية حرة في الارتباط بالجهة التي يراها منسوبوها، بما في ذلك الاستقلالية التامة إن توفرت الإمكانيات، أو أن يسمح للجهات الراغبة بإنشاء جمعياتها المتخصصة، وبالتالي يعاد تسمية الجمعيات القائمة بأسماء جامعاتها، أسمائها الحقيقية، فتصبح جمعية الطب النفسي جمعية جامعة الملك فيصل للطب النفسي وتصبح جمعية اللغة العربية جمعية جامعة الإمام للغة العربية وتصبح جمعية القلب جمعية جامعة الملك سعود لأمراض القلب، وليسمح لوزارة الصحة بإنشاء جمعية وزارة الصحة لأمراض القلب وليسمح لجامعة الملك سعود بإنشاء جمعية جامعة الملك سعود للطب النفسي وليسمح لوزارة التربية والتعليم بإنشاء الجمعية التربوية التابعة لها...الخ
لا يمنع - مرحليا - أن تكون وزارة التعليم العالي أو المجلس الأعلى للتعليم العالي أو أية جهة أخرى يخولها النظام، الجهة الإشرافية المعنية بالتصريح لتلك الجمعيات بالقيام ومراقبة أدائها ووضع الضوابط الإدارية لعملها، فوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لا تشترط أن يكون رئيس الجمعية الخيرية أحد منسوبيها، ولا تشترط أن تتبع الجمعية لجهة إدارية بذاتها، ولا تشترط أن يكون رئيس الجمعية أكاديمياً أو متخصصاً في مجال الخدمة الاجتماعية.
الأصل في الجمعيات العلمية أو المهنية أنها مؤسسات مجتمع مدني أو جمعيات تطوعية ذات نفع عام، وبالتالي يفترض أن لا تدار من قبل جهة حكومية أو أن تفرض عليها أنظمة قطاع حكومي بذاته، ودعم وزارة التعليم العالي لها بالتصريح بالإنشاء أو حتى الدعم المحدود يفترض ألا يكون سبيلاً إلى تكبيلها وتقييدها بالشروط التي تحد من نشاطها العلمي والمهني والمجتمعي.
malkhazim@hotmail.com