البناء على قدم وساق, وبالكاد يستطيع النائم أن يستغرق في نومه..
آلات الحفر، والدك، والرفع، والخفض، والحدادة، والنجارة، تشاركه أحلامه..
وتصر عليه ملازمة اليقظة معها..
وحين يخرج من البيت فأول ما تمنحه مسحة التراب، وقد تطوعت بتلحيف أشجاره, وعربته وحتى إن كان قد غسلها استعداداً لأن تنقله بين الطرقات لمقر ما، وهو مزهو بلمعتها..
ناهيك عن تلك الأكوام من معدات البناء، والأسمنت, وبقايا الحفر, وعربات النقل التي تصك عليه فسحة هواء الشارع..
قال عن هذا، وهو يضحك مستثنياً قطة جيرانه، القاطنين حدَّه منذ أن سكن في بيته، ثم أضاف: غير أن هناك واحدة عتيقة تقطن جوارنا، تتكاثر أسرتها أمامنا، أجيال تأتي وتذهب، تولد في الجوار وتموت بعضها أمامنا، وغالبا ما كنت أتوقف لأحمل جثثاً لأبنائها وأحفادها ممن قد اغتالهم سائق متهور، أو لفتهم دواليب عربات الجيران الآخرين، حين يندسُّون من البرد الصاعق في مخابئها، وهي باقية، شاهدة، رئيسة على حركة الشارع..
هرمت قطة الجيران، وبقيت تخصهم؛ فهي لا تأكل إلا جوار بابهم، ولا تتبع أحداً لداخل البيت إلا بيتهم، وأصحابه..
وزاد: كنت بالأمس أستقرئها حالة الشارع، وكيف تستطيع هي أن تنام في دبكة البناء، وإزعاج الرافعات، والخافضات، ومطارق النجارين، وأزيز الحدادين..
غير أنها رمقتني بنظرة طويلة مفعمة بألف معنى..
صمت قليلاً ثم أتم: قطة الجيران أخبرتني بصمت بأن علي الاحتمال..
تلك ضريبة الجيرة..
وإن قُضّ نومي، وفُزع صغاري..!!
* * *
راقت لي الفكرة، وتمليت في نظرة قطة جيرانه، وذهبت أتأمل في حكم الشارع.. وكلامها..!!
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855