لا أظنه من العقل في شيء أن يرفض المرء المريض تناول علاج ناجع وصفه له طبيبه، إلا إذا كان ذلك المريض قد شاخ وهرم وفقد ذاكرته. هذه الحال تنطبق في ظني على وزارة التربية.. خلال السنوات العشر الماضية أرسلت وزارة التربية وفوداً من قياداتها وخبرائها في زيارات مبرمجة إلى العديد من الدول المتقدمة تعليمياً، اطلعت تلك الوفود الزائرة على أحدث النظم والسياسات والممارسات التعليمة العالمية. عادت هذه الوفود وأعدت تقارير مهولة كمّاً ونوعاً عن نظم التعليم في الدول التي زارتها.
أوضحت تلك التقارير كيف يمكن لنا أن نستفيد من التجارب التعليمية العالمية في تطوير نظامنا التعليمي. إنني أجزم أن تلك التقارير التي تحتفظ بها اليوم الوزارة على رفوفها سوف تشكل الوصفة الفاعلة لمعالجة كثير من علل وأزمات تعليمنا. أمر مؤسف له أن ندفع مبالغ كبيرة لتمويل زيارات خبرائنا للدول المتقدمة ثم نحتفظ بتقارير تلك الزيارات في أدراج النسيان والغبار، دون أن نوظفها في حل أزماتنا التعليمية. هناك احتمالان لا ثالث لهما: إما أن تكون تقارير خبراء الوزارة ليست موضع ثقة الوزارة، أو أن الوزارة نفسها استصعبت البحث عن الحل الذي تحتفظ به في جوفها. أفضل نظام تعليمي على الأرض اليوم هو التعليم الفنلندي، والسر الكبير في جودة ذلك النظام كما كشفه الفنلنديون أنفسهم هو دراستهم للنظم التعليمية العالمية المتميزة والاستفادة منها.
(*) أستاذ المناهج بجامعة الملك سعود