بل إنّ الوقائع اليومية على الأرض اليمنية؛ تشير إلى أن هذا البلد العربي العريق؛ الذي أخذ اسمه من اليُمن والخير الكثير، وكان يوصف فيما مضى من قرون بأنه (سعيد)، قد دخل فعلاً مرحلة (الصّوملة) و(الأفغنة)، فهل بقي له من اسمه نصيب بعد هذا الذي يجري..؟
لست مع صديقنا الدكتور (هاشم عبده هاشم)، فيما ذهب إليه من عدم الخوف على اليمن، وكان قد كتب في صحيفة عكاظ مقالاً يبدي فيه عدم تخوفه مما يجري في اليمن. الحقيقة أن الخوف في هذه المرحلة مقدم على عدم الخوف، ذلك أن أزمة اليمن الحالية لا تبشر بخير، فالسلطة الحاكمة - على ما يبدو - لم تعد قادرة على ضبط الأمن، عوضاً عن توفير قدر معقول ومقبول من مستلزمات الحياة اليومية لملايين الناس الذين انساقوا وراء شعارات الثورة، دون حساب لعواقب ما بعد الثورة.
ماذا تعني عمليات الهجوم على المؤسسات الرسمية مدنية أو عسكرية..؟ وماذا يعني احتلال قرى أو مدن وجهات في اليمن من قِبل جماعات إرهابية وتحويلها إلى (كانتونات )، وإلى (إمارات إسلامية) مستقلة..؟ وماذا بعد تدمير أنابيب النفط، وإلحاق الضرر بمصادر الطاقة والكهرباء والغاز، ونهب المخازن والبنوك، وممارسة القتل اليومي، وتجويع المواطن اليمني..؟
كل الذي يجري يقول: بأن اليمن يعيش حالة صوملة لا ندري متى تتوقف، ومتى تنتهي، ودخل مرحلة أفغنة بقيادة عناصر القاعدة الإرهابية، التي سوف تستفيد من الانفلات الأمني هناك، لجمع قواها، ثم تتخذ من اليمن نقطة ارتكاز ومنطلق لبلدان أخرى، وليس ببعيد أن تأتي القاعدة إلى الحكم في اليمن على أسنة حزب الإصلاح والإخوانجيين بقيادة ( عبد المجيد الزنداني )، الذي ظلّ يعمل طوال حكم الرئيس علي عبد الله صالح، ليصل إلى هذا الهدف.
كيف نطمئن على اليمن ولا نخاف عليه..؟
اليمن هو الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية، وصلاته بالمملكة ودول الخليج، ليست فقط سياسية واقتصادية وتاريخية، ولكنها أمنية واجتماعية وقبلية وجغرافية ومصلحية إلى أبعد حد يمكن تصوره، فما يجري في اليمن ينعكس بالضرورة على أمن المملكة ودول الخليج، ويؤثر على مجتمعاتها واقتصادياتها بشكل كبير.
الصورة على الواقع اليوم في (بلاد العرب السعيدة - اليمن)، ضبابية، وليست سعيدة ولا مريحة، خاصة وأن نزعات ودعوات الانفصال بدأت تأخذ أشكالاً أوسع، فأهل الجنوب ليسوا هم أول من طالب بالانفصال إبان انفجار الأوضاع قبل عدة أشهر - حتى وإن حاولوا ذلك في العام 1994م - ولكن الحوثيين في الشمال، هم من جسّد فكرة الانفصال بحربهم الأخيرة على السلطة المركزية، وإعلانهم صعدة إقليماً إدارياً منفصلاً، وهم الذين جلبوا إيران إلى مياه باب المندب، فشجعوا بذلك بعض أهل الجنوب للتهديد بإيران في تصعيدهم الأخير على السلطة.
المبادرة الخليجية بالحل السياسي الذي ذهب بـ (علي عبد الله صالح)، وأتى بحكومة انتقالية في مرحلة الغليان، هذه خطوة غير كافية لحل المشكل المتجذّر في عموم اليمن. لكي يصل اليمن إلى عهد جديد من الاستقرار والتنمية، في ظل وحدة وطنية لا ينغصها أي منغص، لا بد أن تذهب هذه المبادرة إلى أبعد من ذلك، فتسارع إلى جمع الأطراف المتباعدين، والفرقاء المتناحرين، في مؤتمر مصارحة ومصالحة ولمّ شمل، على غرار ما حدث عام 1934م، في اتفاق الطائف الذي أرسى قواعد الأمن والجوار بين المملكة واليمن، وما حدث بعده، عندما نجحت المملكة في لمِّ شمل الأطراف اليمنية في الطائف العاصمة الصيفية للمملكة، ونتج عن ذلك يمن مستقر آمن، إلا من بعض المكدّرات الأمنية الذي اعتاد عليها اليمن طيلة سني تاريخه.
للعاصمة الصيفية للمملكة (الطائف).. تاريخ مجيد مع لقاءات التوفيق ومؤتمرات الصلح بين أطراف عربية وغير عربية. التقى على أرضها أبناء اليمن أكثر من مرة وتصالحوا، والتقى فيها سياسيو لبنان، فخرجوا بمعاهدة الطائف عام 1989م، التي أنهت الاقتتال، وأحلت الأمن حتى اليوم، والتأم فيها عقد الجماعات الأفغانية المتناحرة في العام نفسه، ومع أنّ الأفغان اتفقوا ووقّعوا على خطة سلام في الطائف، ثم حلفوا عليها أمام الكعبة، إلاّ أنهم نقضوا ما اتفقوا عليه بعد وصولهم إلى كابول..! كان العيب في الأفغان؛ وليس في الطائف المأنوس بطبيعة الحال..!
لعل الطائف.. مدينة السلام والورد، تكون محطة صلح جديد، لعهد جديد، في اليمن الجديد، لكي يبقى هو اليمن السعيد، الذي يظل سعيداً بوحدته وأمنه وبُنّه وأهله
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com