ما الذي يجبر مواطناً يقطع آلاف الأميال من قرية في جنوب البلاد إلى جدة، أو من هجرة في شمال البلاد إلى الرياض بحثاً عن موعد في مستشفى، يحدد له بعد ستة أشهر على الأقل؟ ما الذي يجعل المواطن الكهل الذي جلس في المطار الإقليمي لمدينته منتظراً السفر لأخذ موعد في مستشفى العاصمة، يبلغ بأن الرحلة ألغيت أو تأخرت؟ ما الذي جعل حلم السفر بطائرة الإخلاء الطبي بين المدن مثل حلم السفر بمكوك فضائي إلى الفضاء الخارجي؟ لماذا تحول الظفر بسرير في غرف العناية المركزة بمستشفياتنا إلى ما يشبه الأمل بسرير في الجنة؟.
لماذا ندّعي بأن تخصصات جامعاتنا لم تعد تراعي حاجة السوق، ثم نقترح معاهد صحية تخرِّج لنا آلاف الفنيين والممرضين، ثم ندّعي من جديد بأن مهارات وإمكانات هؤلاء غير مناسبة للمستشفيات، ونستقدم بدلاً منهم آلاف الفلبينيين والفلبينيات؟ لماذا لم يخترع أحد عباقرة الصحة فكرة تدريب هؤلاء بدلاً من رميهم في جحيم الإحباط.
لماذا أصبح العثور على عامل هارب، أو خادمة أو سائق، في بلادنا يشبه البحث عن إبرة ضائعة في كومة قش؟ ومن أين تحولت أكثر من مائة مليار ريال إلى الخارج؟.
لماذا أصبحت الوظيفة في بلادنا أشبه بلبن العصفور في الصمّان؟ وماذا نتوقع من طالبات ضاقت بهن أسوار جامعاتهن الآن، زمن الدراسة، حين تضيق بهن البطالة بعدما يتخرجن من الجامعات، ولا يجدن ما يشغل وقتهن ويسد رمقهن بوظيفة محترمة؟.
ما الذي يجعل عجوزاً أو كهلاً تنقضي حياته وهو يجر أعوامه الطويلة منتظراً حكماً قضائياً من محكمة؟ وما الذي يجبر مواطنة حرّة تحولت إلى نكرة، لتبحث عمن يعرّف بها؟ ومن الذي اضطرها إلى أن تكون في عهدة سائق أجنبي غريب عنها، يقودها دون أن تقود نفسها؟ وما الذي يجعلها كائناً قاصراً حتى لو بلغت السبعين عاماً؟.
كيف آل الأمر بكرامة مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات إلى التهافت في ملاحقة برنامج (جدارة) بحثاً عن وظيفة مستحيلة؟ ولماذا أصبح انتقال وزارات الخدمة المدنية والعمل والصحة والتعليم من حالها المتعثر إلى حال أفضل يحتاج إلى مصباح علاء الدين، وإلى مارد المصباح كي يحقق من خلالها أحلامنا المنتظرة؟.
لماذا ننام كل ليلة على أسئلة؟ ونصحو كل صباح على أسئلة وغبار؟ دون أن نجد إجابة واحدة، إجابة واضحة ومحددة؟ لماذا أصبحنا نفطر أسئلة، ونتعشى انتظاراً لا يخلو من أسئلة جديدة؟ لماذا أصبحنا نسأل داخل الأسئلة؟ ونتوقع أن تكون إجابات الغير أيضاً أسئلة جديدة؟.
لماذا أصبحنا كل يوم نتدحرج في الشوارع داخل فقاعات ضخمة من الأسئلة، كلما انفجرت فقاعة، تناسل منها عشرات الفقاعات من أسئلة محيرة ومستعصية على الإجابات؟.
لماذا حين أقفل مقالي هذا بعد أسئلتي يأتي من بعدي القراء ويسألون في تعليقات القراء بموقع الجريدة الإلكتروني؟ لماذا يتابع معهم قراء (تويتر) و(فيس بوك) طرح الأسئلة التي لا تنتهي، الأسئلة الطويلة جداً، الأسئلة الممتدة من (هنا) إلى (قندهار) كما تقول جدتي؟.
ولماذا عليّ رغم نبرة التشاؤم تلك، أن أتفاءل بمنجز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وتطلعاته، بقفزة عدد الجامعات وبرنامجه للابتعاث ومركزه المالي اللافت، واهتمامه بالإصلاح ومعالجة موضوع البطالة، وتمكن المرأة من أن تكون شريكاً فاعلاً مع الرجل في خدمة التنمية وغير ذلك كثير،.
ولماذا عليّ أن أتمنى على وزرائه تحقيق آماله في تنفيذ قراراته الإصلاحية - حفظه الله- وتعجيلها؟
هي أسئلة إذن، لا تحمل إجابات بقدر ما تحمل أحلام وطموحات.