ما هو أسوأ من السوء نفسه؛ أن يتكتل بعض الناس ضد البعض الآخر بدون وجه حق، وأن تصبح بعض القضايا الخلافية، محاور أساسية للمنافرة والمحافرة، وأن تُشخصن المسائل العامة، حتى لا يبقى من هدف أمام هذا التكتل أو ذاك، إلا (سين) أو (صاد) من الناس، لتُحجب محاسنه،
وتُبرز مساوئه، وتُشوه صورته، وتُزوَّر سيرته، ويتعرض لحملات تكريه وتعريض وتحريض منظمة ومبرمجة، في حرب سافرة لا هوادة فيها، وكأن بينه وبين المكرِّهين والمعرِّضين والمحرِّضين؛ ثارات قديمة من أيام داحس والغبراء:
إن يعلموا الخير يخفوه.. وإن علموا
شراً أذيع، وإن لم يعلموا كذبوا
- قادة وعلماء، وساسة وفقهاء، ومفكرون وكتَّاب.. إلى آخر القائمة، تعرضوا ويتعرضون في سنواتنا الأخيرة؛ لحملات تكريه وتحريض معروفة أهدافها، ومعروف من يقف وراءها، حتى لو تخفى الجبناء بأسماء مستعارة، وتستر الرقعاء برموز وهمية، أو من زاد وقاحة على وقاحة، فكشف عن نفسه، وجاهر بالسوء. ولو كانت الأهداف نبيلة، والوسائل مشروعة، لظهر خصوم شرفاء، وبرزت قضايا موضوعية، يتفق عليها الناس ويختلفون، لا بأس في ذلك، فهذه هي سنة الله في خلقه: (ولا يزالون مختلفين)، و(لذلك خلقهم)، ولكن الأهواء تقود أصحابها إلى مستنقعات من الفساد العقلي والخلقي، حتى لا يميزون وقتها بين ما هو حق وما هو باطل. ما هو خير وما هو شر، فيأخذون في أكل لحوم البشر، وفي التعريض بأعراضهم، والتشويه لأشخاصهم، ناسين أو متناسين، أن هذا ليس هو خُلق الإسلام، ولا هو من مبادئه، بل كله مما جاء النهي عنه، والتحذير منه.
- عدد ممن أعرف، من مشاهير القوم، ومن زملاء حرف وأصدقاء كلمة، وغيرهم كثير، لم يسلم أحد منهم من سهام المغرضين، وحملات المشوشين، وعبث العابثين، فها هي حشود الأعراب الخارجة من غبار الصحارى، لا تجد في وسائل التواصل الاجتماعي، وقنوات الإعلام الحديث، ما يربطها بالعالم ومعارفه وثقافاته، وما يدمجها في حضارته الإنسانية المعاصرة، إلا إشباع نهمها في الإساءة إلى أعيان وأشخاص لمجرد الاختلاف معهم، فحملات التعريض والتحريض ضد هذا أو ذاك، غالباً ما تنطلق من منطلقات ذاتية بحتة، وتنبيء عن أحقاد وأحساد تملأ صدور الخصوم الملثمين وراءها:
لا يكذب المرء إلا من مهانته
أو عادة سوء، أو من قلة الأدب
- أسماء أدبية وثقافية وفكرية كبيرة، وشخصيات إدارية ووطنية عديدة، يصعب حصرها هنا، تواجه هذه الحرب الضروس بحرب باردة اسمها: (الخصران).. أخصره.. على ما نقول هنا في جهاتنا. جربت هذه الحرب الجميلة منذ بدء الحملات المسعورة ضدي سنة 1992م، فوجدتها هي الأنجع والأفضل. لم أشأ أن أسمي أحداً هنا، مع علمي ومعرفتي بأبطال هذه الحرب الباردة المضادة، لكني أردت أن أعرض لحالة غير إنسانية ولا حضارية، تتلبسنا - مع الأسف - كلما اختلفنا مع بعضنا، فنوغل في الخصومة، ونشخِّص الخلاف، ونمحو حسنات المختلَف معه، وننشر سيئاته إن كانت له سيئات، أو نعمل جهدنا لخلق معايب، واختلاق مثالب، حتى نتشفى فيه:
قَلّ الثقات.. فما أدري بمن أثق
لم يبق في الناس إلا الزور والمَلَق
- إن للحقيقة لوناً واحداً، وللكذب ألف لون ولون، وهذا الغثاء الذي يلجأ إليه (المعاتيه) عادة في حملاتهم التكريهية والتحريضية، ضد من نعرف فيه الدين والكفاءة والصدق والإخلاص، من أحبتنا في وطننا الجميل هذا، هو بيِّن الكذب، واضح الزُّور، جليّ البهتان، بعيد عن الحقيقة، ولو أن فيه ذرة صدق واحدة، لما تخفَّى أصحابه بأسماء مستعارة، ولما تستروا وراء حجب من التهويمات والبذاءات؛ التي لا تصدر عن عاقل:
الصدق في أقوالنا.. أقوى لنا
والكذب في أفعالنا.. أفعى لنا
- إن قدر الرجال العاملين بإخلاص وصمت، أن يُرموا بالحجارة، مثلهم مثل الأشجار المثمرة، التي تمنح الظل والثمر، وتنحني تواضعاً لا ضعفاً، بثقل ما تحمل من خير للناس كافة، لكنها تستعصي دائماً على الرماة الأشرار، من الحاقدين والحاسدين. ويكفي هؤلاء الكبار عزة وشرفاً، أنهم أكبر من المُكرِّهين، وأشرف من المعرِّضين، وأصدق من المُحرِّضين:
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
فلم يضرها.. وأوهى قرنه الوعل
- أود أن أهمس على الورق، في أذن كل بطل مغوار، يواجه هذه الحرب القذرة فأقول:
لا يضر البحر أمسى زاخراً
أن رمى فيه غلام بحجر
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com