|
الجزيرة - الرياض
عادة ما نواجه تردد المسؤولين في قبول الحوارات المباشرة والارتجالية فالكثير منهم يفضل أن يكون بينه وبين الإعلام حجاب، وعادة مايكونون موظفو العلاقات العامة.. أمير منطقة الباحة الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز لم يفاجئنا بسرعة استجابته فقط بل بحماسه للمواجهة وأريحيته التي دفعتنا إلى التنقيب في ملفات منطقة الباحة دون قيود..، في تجسيد حقيقي لرؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز نحو الشفافية المطلقة تجاه اطلاع المواطن على كل مستجد..
العسكري القيادي السابق في الحرس الوطني أخذ من مهنته القديمة الجدية والالتزام، وحضر إلى موعد لقائه بنا في توقيت لم يتقدم ولم يتأخر دقيقة، ورغم هذا كان حضوره مليئا بالعفوية والودية التي تشعرك بمعرفة سابقة له حتى ولو كان هو اللقاء الأول.
الأمير مشاري تحدث تحت قبة الجزيرة في لقاء هو الأول من نوعه فيما يخص «الباحة»، أهلها، شجون مشاريعها، والعقبات التي تواجه أحلامه التي يريد تحقيقها في واقع المنطقة التي يعتبرها من أهم المناطق السياحية في المنطقة، نترككم مع الحوار الذي أجاب عن أسئلته الأمير مشاري بشفافية ودقة تؤكد اطلاعه الميداني على أدق التفاصيل التي تهم منطقته وأهلها..
بدأ الزميل رئيس التحرير خالد المالك بالترحيب بالأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة الباحة وقال: أعرف عن سموكم الثقافة الواسعة والمهارة القيادية وقد استبشرنا جميعا حين أسند إليكم ولي الأمر مسؤولية إمارة منطقة الباحة وهي إحدى المناطق الهامة في بلادنا والمعروفة بإمكاناتها وفرصها السياحية الواعدة...ونقدر لسموكم زيارة صحيفة الجزيرة وتواصلكم مع قرائها عبر هذه الندوة الصحفية التي تفتح فيها الجزيرة حوار التواصل التنموي الواعي بين المسئولين وأصحاب القرار من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى امتثالا لرسالتنا الإعلامية الوطنية الهامة..
قبل أن نفتح ذوادة الأسئلة لطرح ما لدينا أمام سمو الأمير التفت الأمير إلى الزميل رئيس التحرير مستذكرا وقال: في صفحات الجزيرة تشكل وعينا وتوسعت مداركنا منذ الصغر.. وجدنا فيها نهر المعرفة الذي لاينضب..هي دوما صحيفتي المفضلة وماتزال..صحيفة تتميز بالأصالة والتميز والمصداقية.. شكرا لكم أستاذ خالد المالك وزملائكم فقد منحتمونا الكثير..
«الجزيرة»: متى بدأت علاقتك بمنطقة الباحة، وما الانطباع الذي تحمله عن المنطقة قبل أن تصل إليها وتلتقي بأهلها ؟ وماذا قدم سموكم للمنطقة لتفعيل ما وعد به خادم الحرمين الشريفين المواطنين بأنه لن يغفل عن منطقة من مناطق المملكة، حين أكد أن كل مناطق المملكة جزء لايتجزء من مشروع التنمية الكبير وأن له نصيبه من المشاريع التنموية؟
- سبق لي زيارة الباحة في عام 1998م مع خادم الحرمين الشريفين حينما كان وليا للعهد - حفظه الله -، ولكن إقامتي لم تتجاوز ثلاثة أيام، حيث كانت شبه رسمية أثناء مشاركتي في استقبال سموه مع الأمير محمد أمير المنطقة السابق، لم أتعرف على الكثير في المنطقة بسبب طبيعة الزيارة ولم يتح لي إلا القليل. والحقيقة أن لحظة إبلاغي باختيار خادم الحرمين الشريفين لي كأمير للمنطقة كانت عصيبة، لأني محب لمدينة الرياض بطريقة لا توصف بالرغم من سكني في الشرقية لمدة 28 عاما، إلا أن الرياض بالنسبة لي جنة الأرض، وقد يستغرب الكثيرون عندما أقول أن جزءا من إجازاتي الصيفية كنت أقضيها في الرياض، (يعلق ضاحكا)، أهل الرياض يهربون منها وأنا آتي إليها، أحب الرياض بشكل غريب, وكان عقلي الباطن يمنيني بعد 28 عاما من الخدمة أن أجد عملا فيها أو على الأقل أن أتقاعد وأسكن فيها، إلا أن ثقة سيدي خادم الحرمين الشريفين واختياره يأتي فوق كل رغبة وفوق كل إرادة شخصية، وخدمة وطني من خلال منطقة كريمة من مناطق بلادنا الغالية هي شرف كبير للإنسان قد لا يتأتى له في العمر إلا مرة واحدة، أدعو الله سبحانه وتعالى أن أحقق شيئا قليلا يستحق أن يذكرني به أهل المنطقة بالخير عندما تنتهي مدة عملي لأي سبب من الأسباب.
منذ وصلت إلى الباحة - ولا أقولها مجاملة - وجدت أمورا تدعو إلى الفخر، حيث مشاريع الطرق، الأبنية، والسدود، وما يستحق أن يتوقف عنده الإنسان ليقول إن المملكة لم تضيع ثرواتها هباء، إذ يجد أن الدولة استثمرت خيرات البلاد في سبيل رقي الوطن والمواطن, ولا يعني هذا عدم وجود نقص في المناطق، ولكن هذا يعني لنا أن البنية موجودة، ولا توجد عوائق تحول دون المزيد من البناء والتطوير ونهضة المنطقة التي شرفني خادم الحرمين بمسؤولية خدمة أبنائها، وكما تعلمون أن الباحة تقع في مكان إستراتيجي يتوسط الغرب والجنوب، إذ يحدها من الشمال على بعد ساعتين بالسيارة الطائف ومنها إلى مكة المكرمة, وجدة، فيما تكون مناطق الجنوب في الاتجاه الآخر، بذلك تستطيع الباحة أن تكون حلقة وصل بين الغرب ووسط الغرب وبين الجنوب، إضافة إلى أن الله حباها بطبيعة خلابة.
بلا شك أن المنطقة تحتاج إلى تطوير، وأنا في تصوري أن أي رقي منشود يجب أن يعتمد على الإنسان لتضمن استمرارية الصعود، فالنهضة لا تعتمد على ناطحات السحاب ولا على عدد الفنادق وخلافه، إذا تواجد الإنسان تواجدت النهضة وبه سيتواجد الحراك الاجتماعي، التجاري، الاقتصادي، الفكري، والثقافي، كل هذه العوامل تؤدي إلى النهضة، ولو نظرت إلى المناطق الرئيسة ولنأخذ على سبيل الأمثلة الرياض فهي المنطقة الوسطى وعاصمة البلاد، المنطقة الغربية هي المنطقة الدينية والتجارية، الشرقية منطقة النفط، لا يوجد لدى هذه المناطق زراعة على مستوى اقتصادي عالٍ، بل توجد صناعات وأنشطة اقتصادية ضمنت الكثافة السكانية وبالتالي جذبت المستثمرين والتجار ورجال الأعمال، الذين يعملون لمصالحهم الشخصية بالتأكيد، وبالتالي انعكس هذا على الحراك والنشاط الاجتماعي في هذه المدن.
لا نستطيع بناء نهضة بعدد سكان قليل، لأن رجل الأعمال دائما يبحث عن الفائدة الشخصية، وعندما يبني مستشفى فهو يبحث عن مرضى، كما هو حال المستثمر في مصنع هو يبحث عن مستهلك، حتى المحلات التجارية البسيطة من مخابز أو صوالين حلاقة مثلا فهم يبحثون عن القوة الشرائية لمنتجاتهم. منطقة الباحة والكثير من المناطق في المملكة التي تماثلها بدرجة أكثر أو أقل تفتقد إلى الكثافة السكانية التي تؤدي إلى تحفيز رجل الأعمال للاستثمار فيها، نحن الآن نحاول أن نقيم المغريات التي يمكن أن تحفز رجال الأعمال، رغم أني أصر على أن زيادة الكثافة السكانية في منطقة هو المطلب الأهم لأي مستثمر ناجح.
«الجزيرة»: 75% من المشاكل التي تعانيها مناطق الأطراف في المملكة ترتكز على معضلة الهجرة العكسية، بين غياب الاستثمار في المنطقة أو بحث أبنائها عن فرص العمل خارجها، هل هناك خطط معينة أقرتها إمارة المنطقة فيما يتعلق بالحفاظ على القوة العاملة داخلها والحد من هجرتها؟
- لا بد أن نضع الإغراءات أمام المواطن حتى يبقى، لا نستطيع أن نغريه بالوعود، كل الشباب الذين هاجروا لمناطق أخرى خرجوا بحثا عن وظائف جيدة لتأمين مستقبلهم، إذا لم تتوافر فرص العمل لا تستطيع أن تقنع الآخرين بالبقاء، والحقيقة أن جامعة الباحة الآن ساهمت في بقاء كثير من الشبان وشابات الباحة، ولكني لا أعتبره مشروع توطين، بل هو مشروع تأجيل إلى أربع سنوات فقط أو على الأكثر خمس سنوات إذا كان الطالب متراخيا في تحصيله العلمي.
«الجزيرة»: هل هذا يعني أن الهجرة العكسية ماتزال مستمرة رغم وجود الجامعة؟
- نعم موجودة، الجامعة تؤجل وهو على الأقل مايمنحنا بعض الوقت لإنجاز بعض البرامج والمشروعات، لا يوجد وسيلة حتى لو أقنعت الناس بالبقاء إلا بوجود مورد حقيقي للإنسان، وهذا يقودنا إلى سؤال: كيف ستنشئ موردا حقيقيا ؟ هذا هو السؤال الكبير الذي لم يطرح على منطقة الباحة من قبل، ولكنه يطرح على مستوى الوطن عموما، وهذا يقودنا إلى الحديث عما يجب على الدولة فعله تجاه ذلك، ومنها عدم إقامة المعاهد المتخصصة في أماكن المدن الكبرى فقط، لا فائدة للمدن الكبرى في أن يكون فيها معاهد أو كليات متخصصة، فهي تزيد من زحام هذه المدن والرياض دليل واضح على ما نتكلم عنه، الرياض كبيرة ومزدحمة وجدة أيضا كذلك والمنطقة الشرقية الآن في توسع لا حدود له. لذا وجود المعاهد المتخصصة والكليات والمرافق التي تعني بالتدريب أو بصقل مواهب معينة - من وجهة نظري - يجب أن تكون في المناطق غير الجاذبة للسكان، لأنه كلما ازداد الناس في هذه المناطق كلما زادت الحركة الاجتماعية وبالتالي الاقتصادية. لو نظرنا إلى الماضي البعيد وأخذنا القاعدة العسكرية في خميس مشيط وما هو أثرها على مدينة أبها بوجه خاص ومنطقة عسير بوجه عام، لوجدنا أثرا كبيرا جدا على زيادة عدد السكان، وبالتالي زيادة القوة الشرائية التي يضيفونها للمنطقة وهو الجاذب الرئيس للمستثمرين. نقل المعاهد ومراكز التدريب إلى المناطق الأخرى يخفف الضغط السكاني على أماكن معينة، وهو أمر مطلوب حتى من النواحي الأمنية، وسيكون هناك تمدد بشري في مناطق الأطراف وليس كما هو حاصل الآن التمدد يحصل في مراكز معينة فقط.
كذلك الاستثمار الصناعي في مناطق الأطراف مهم لحل مشكلة التمدد السكاني العكسي، وبهذه المناسبة أتذكر أن الدولة قامت بخطوة جيدة بالتزامن مع تسلمي مهام منصبي كأمير للباحة، حيث كان لي حديث مع معالي وزير المالية وتدارسنا موضوع تشجيع الصناعات المحلية، وخرج قرارٌ آنذاك كان مدروسا من قبل، ولكن نقاشاتنا قد تكون عجلت بالعملية، وهو قرار دعم القروض الصناعية في المناطق غير الرئيسية بما يعادل 75% من قيمة المشروع، وهذا قرار جيد يشجع المواطن السعودي الذي يريد دخول الاستثمار الصناعي في منطقة الباحة، بلا شك أن هذا الأمر سيزيد تحرك الأفراد وبالتالي زيادة الكثافة السكانية.
«الجزيرة»: هل ثمة خطط فعلية لجذب رؤوس الأموال إلى المنطقة، لعلكم تكشفون لقراءنا وأبناء المنطقة شيئا منها في حواركم الصريح معنا سمو الأمير؟
- لاشك أن سعينا دؤوب لحل مثل هذه المعضلات وجذب رؤوس الأموال للمنطقة، إلا أن كل عمل لا يخلو من العثرات التي يمكن أن تقف في طريقه، منطقة الباحة مع الأسف محدودة الموارد، وحتى أكون أكثر وضوحا، فإن هذه المحدودية تتمثل بالموارد المائية والطبيعة الجغرافية للمنطقة، وعندما بدأنا الدراسة قبل أكثر من سنة لإنشاء مشروع زراعي على غرار المشاريع الزراعية الكبرى في مناطق أخرى من المملكة، واجهتنا المشاكل في أقسام الباحة الثلاث (البادية، السرات، تهامة) ففي البادية شرقا لا توجد مساحات للزراعة أصلا، أما السرات فهي منطقة جبلية، وحين استقر الأمر على الزراعة في تهامة بسبب كثرة الأمطار في هذه المنطقة، وجدنا أن المياه التي تأتي من المطر تذهب إلى السدود، والسدود لم تبنَ إلا لسد حاجة الاستهلاك البشري في المنطقة، أدركنا حينها أنه لا يمكن أن نقيم مشروعا زراعيا على حساب الناس وحاجتهم للمياه. الفكرة لا يمكن أن تطبق إلا في حالة واحدة، وهي أن تتوفر مياه تحلية كافية للمواطنين، عند ذلك فقط يمكن لنا أن نستغل مياه السدود من أجل المشاريع الزراعية حتى نطور المنطقة ونشجع المزارعين على الانضمام لهذا المشروع.
وبالحديث عن المياه المحلاة، هناك مشروع لنقل مياه البحر المحلاة من محطة الشعيبة من مكة المكرمة إلى الطائف وصولا إلى الباحة، رغم أن الساحل لا يبعد عن الباحة إلا 70 كيلومترا، وأقرب المحافظات تبعد عنه 50 كيلومترا، طلبنا دراسة لإيجاد محطة تحلية في الباحة، إلا أن المسئولين أكدوا لنا أن المياه التي ستأتي من الطائف تكفي في الوقت الحالي، والمشروع سينتهي خلال عام وسنرى إذا كانت المياه ستكون كافية، عند ذلك سنتجه بالتأكيد إلى استهلاك مياه السدود في الزراعة.
«الجزيرة»: هل ستعيدون النظر في طرح المشروع الزراعي الذي ذكرتموه مجددا على المستثمرين بعد إنجاز مشروع نقل المياه المحلاة من مكة المكرمة؟
- لا نستطيع دعوة أي شركة في الوقت الحالي قبل التأكد من وجود الماء بكميات كافية للاستهلاك البشري، فخسارة الشركات ستؤثر على سمعة المنطقة الاستثمارية.
«الجزيرة»: كم من الوقت ستنتظر المنطقة قبل تحقق قناعتكم بكفاية كميات الماء القادمة من محطة الشعيبة..وهل على المنطقة الانتظار طويلا؟
- عند انتهاء المشروع خلال عام إن شاء الله، سنبدأ بدراسة على أرض الواقع لقياس الحاجة والاستهلاك، فإذا تأكد لنا أن كميات المياه القادمة من التحلية تكفي لسد حاجة الاستهلاك البشري في الباحة دون أي إشكالات سنفتح السدود.
بعض السدود تؤدي إلى أودية وأصحاب الأودية الذين يمتلكون مزارع سيستفيدون منها كثيرا بسبب جفاف آبارهم في الوقت الحالي، وسندعو الشركات الكبرى حينها لدراسة الوضع قبل الشروع فيه، وسيبقى السؤال الأهم قبل أي خطوة، هل الماء الموجود في السدود كاف لإنجاح المشاريع الزراعية أم لا.. الدقة في إجابة هذا السؤال هي ما سيحدد خطواتنا التالية.
نحن الآن نشجع المزارعين على الزراعات البسيطة التي يكون لها مردود اقتصادي جيدا مثل اللوز، الناس يجهلون بأن اللوز هو محصول متوفر في الباحة وبطريقة اقتصادية ومفيدة للمزارع، والعام الماضي في أسبوع الشجرة وزعنا ما يقارب 3 آلاف شجرة على المزارعين حتى يقوموا بزراعتها ونحاول أيضا إنشاء جمعية تعاونية تخدم المزارعين.
أملان نطمح في تحقيقهما، الأول أن تكفي مياه التحلية الاستهلاك الإنساني، وبالتالي نتجه إلى مياه السدود والأمطار للزراعة، أما الثاني فيتركز على المدن الصناعية ورغبة المستثمرين أن يستفيدوا من التسهيلات التي قدمتها الدولة من القروض الصناعية بلا فوائد وبدعم يصل إلى 75 % منها ليقيموا مصانعهم في الباحة، وكما ذكرت لكم أن موقع الباحة الجغرافي يتيح للمستثمرين خاصية توزيع لكافة المناطق الجنوبية، يخفف من الكثافة العالية التي في جدة ومكة المكرمة والطائف، إضافة إلى ما تهيئ الجامعة من وظائف ومن حراك طلابي، ونعمل مع وزارة التربية والتعليم على أن يكون هناك مركز تدريب للمدرسين في المنطقة، ونحن ننتظر موافقة الوزارة عليه.
«الجزيرة»: هل سيكون هذا المركز التدريبي لجميع معلمي المملكة أم أنه خاص بمعلمي منطقة الباحة؟
- سيكون لجميع معلمي المملكة، وكما تعلمون فإن من الصعوبة بمكان أن يوجد ثلاثة عشر مركزاً التي تعتزم الوزارة إنشاءها في 13 منطقة بالمملكة، ولكننا نسعى إلى أن تكون الباحة إحدى المناطق المختارة بإذن الله، وهو ما سيساعدنا في تحقيق أهداف الاستقطاب السكاني.
«الجزيرة»: ماذا عن شركات التنمية في الباحة، فكما يعرف سموكم أن هذا النوع من الشركات يعد الأكثر مساهمة في تنمية المناطق الأقل نموا؟
- هناك شركة الباحة للتنمية، وقد تم الاجتماع مع مسئوليها من أجل تطوير أدائها، وتم وضع خطط مشتركة لتكون الشركة نواة لشركة أكبر تدمج معها في المستقبل، وقد تكون شركة مستقلة خاصة للباحة.
كما ذكرت المنطقة تحتاج إلى الكثير من الرؤى التي تساعدنا على تحقيق ما نصبو إليه، لدينا منتدى استثماري كبير سيقام خلال شهر مايو المقبل إن شاء الله، ونحن نعد له منذ حوالي السنة تقريبا، ودعينا له بعض أصحاب السمو ومعالي الوزراء ورجال أعمال كثر حول المملكة ومحاضرين أكاديميين، ليتحدثوا في هذا المنتدى ويطرحوا فيه الرؤى والعقبات بوضوح، وقبل كل هذا استهلكنا وقتا طويلا لمناقشة الفرص الاستثمارية، إذ إنه من العبث أن تدعو مستثمراً للاستثمار في منطقتك، وعندما يسألك عن الإمكانيات لا تملك إجابة شافية له، حاولنا عن طريق أمين المنطقة وعن طريق المسؤولين في الإدارات الحكومية الأخرى أن نحدد المواقع المتوافرة لدينا، وهي في الأساس مواقع سياحية مناسبة للاستثمار في القطاع السياحي.
أعتقد أن رجال الأعمال المتخصصين في القطاع السياحي سيجدون مردودا كبيرا قد يفاجئهم، لو استثمروا في المواقع السياحية في المنطقة بإرادة قوية وعزيمة، فالله سبحانه وتعالى حبا المنطقة بأجواء لا يتخيل مدى جمالها إلا من حضر إليها، صيفا وربيعا وخريفا، وخاصة منطقة السرات، والغطاء النباتي جيد والغابات جميلة وأخاذة، ولدينا أيضا مشروع نعمل على إنجازه قريبا وما زلنا ندرسه وهو حماية الغابات من ظاهرة التصحر والعبث والاحتطاب والرعي وخلافه، في نظري هذه هي ثروة أهل الباحة ولابد من المحافظة عليها.
وإذا أنشئت المشاريع السياحية فأنا متأكد أنها ستدر عائدا كبيرا على المستثمرين، وهذا يقودنا إلى سؤال أشمل، ماذا يمكن أن نقدم للسائح عندما يزور الباحة ؟ يجب أن نفكر كيف يقضي السائح مع عائلته فترات يومه في خيارات مختلفة، صباحا وليلا، لابد أن تتوافر له أماكن جميلة بدءا من الأسواق والمطاعم النظيفة والراقية إلى جانب أماكن الترفيه ومدن الألعاب.
«الجزيرة»: إذا كانت الدولة تقدم 75% كدعم للقروض الصناعية، وهيئة السياحة توفر جميع الإمكانيات للمستثمرين، والدولة تقدم الدعم المستمر بامتيازات كثيرة وتستهدف الحد من الهجرة.. أين الخلل؟ هل ثمة إشكالات أخرى تطرد المستثمرين عن المنطقة؟
- المنطقة أحيانا نواجه فيها صعوبات أن بعضا من المواطنين عندما نريد إنشاء طريق أو مشروعات أو منشأة يدّعون أن هذا الموقع لهم، وفي واقع الأمر هذه مشكلة عامة على مستوى المملكة لم تحل حتى اليوم. طالبنا بإيجاد حل لحجج الاستحكام، بحيث إن من ثبت له شيء يعطى له، ومن لم يثبت له فهي حق للدولة واستغلالها في صالح الوطن والمواطنين. الآن على سبيل المثال لدينا موقع في مركز الباحة يعتبر مميزا جدا، وهذا الموقع كان تصورنا له أن يكون مماثلا لسوليدير لبنان، وسبق أن تحدثت مع أمين عام المنطقة وبعض الإخوان أن يحوي هذا المكان على الأقل شققا مفروشة بشكل راقي، نحن الآن نحاول أن ننزع ما هو ثابت ملكيته من أجل استغلال هذه المنطقة بشكل مميز يخدم المنطقة وأهلها، وما يؤخر تنفيذ هذه الفكرة أن بعض الأراضي لا يملكها مواطنون بصفة نظامية ولا تملكها الدولة، وهذه الحالات يطلق عليها باسم «الجديات» أي أنها موروثة لمواطنين من زمن الأجداد، ونحن نحاول أن نجد لها حلولا حتى تستطيع الدولة أن تنزعها لكي يستطيع المستثمر شراءها أو الاستثمار عليها.
قبل عدة أشهر وضعنا حجر أساس لفندق في بلجرشي وهذا المشروع على وشك أن ينتهي خلال سنة، وهناك سوق كبير بين الباحة وبلجرشي سينتهي خلال شهرين، إضافة إلى مشروع أسميناه القرية التراثية بين الباحة ومحافظة القرا، التي لا يوجد فيها كثافة سكانية، وسبب اختيار هذا المكان لمشروع القرية التراثية هو إنعاش المنطقة، حيث ستقام القرية على مساحة تزيد عن 100 ألف متر، بنيت فيها مبان تمثل محافظات المنطقة، إضافة إلى أماكن تسوق ومدينة ألعاب للأطفال، وستحمل القرية فرصا استثمارية لمن يريد من رجال الأعمال، أيضا هناك مستثمر الآن يدرس إقامة فندق على مستوى عال في القرية نفسها.
«الجزيرة»: هل سيتم إسناد إدارة الفندق إلى شركة عالمية؟
- حتى الآن الجهة المستثمرة غير معروفة، رفعنا طلبا لوزارة المالية وبعد موافقتها، سنفتح المجال أمام الراغبين من المستثمرين.
«الجزيرة»: المملكة فتحت المجال أمام المستثمر الأجنبي للدخول إلى أسواقها، هل سعيتم سمو الأمير لمخاطبة شركات عالمية لاستقطاب استثماراتها إلى الباحة، مثال ديزني لاند التي تعتبر منتزهاتها أيقونة عالمية في فلوريدا وباريس وهونغ كونغ، ولا توجد في المنطقة العربية، خصوصا أنكم أثنيتم على أن الباحة أرض خصبة وواعدة للمشاريع السياحية؟
- أتمنى ذلك، نحن أنشأنا مكتبا في إمارة المنطقة لخدمة المستثمرين، وهذا لم يكن موجودا سابقا، لا نطلب من المستثمر غير أن يقدم طلبه وأن يكون جادا في نيته الاستثمار داخل المنطقة، ونحن سنذلل جميع الصعوبات التي قد تواجهه، وقد ذكرت لكم سابقا أن بعض الإخوة من رجال الأعمال في الباحة عند تعييني أميرا للمنطقة طلبوا مقابلتي، وقد قدموا لي بعض الملاحظات على العمل الذي يتسم بالبيروقراطية، واستعرضوا العوائق التي تواجههم، قلت لهم آنذاك قدموا مشاريعكم فقط، واتركوا الباقي لي، سنعمل على تذليل العقبات وإنهائها بالتعاون مع زملائي في الإمارة، والتعاون مع جميع الإدارات الحكومية سواء كانت الأمانة أو إدارة الطرق أو شركة المياه أو الإدارات الأخرى بلا استثناء، لكننا للأسف لم نرَ شيئا حتى الآن. نحن نتأمل خيرا في المنتدى الاقتصادي الذي ربما يجلب لنا نوعية المستثمرين الذين تطمح المنطقة بوجودهم لجديتهم في العمل.
«الجزيرة»: لم يكن للباحة نصيب في المدن الاقتصادية التي أعلن عن إنشائها مؤخرا في مناطق مختلفة.. هل تطمحون إلى مدينة اقتصادية أسوة بمناطق أخرى؟
- نحن نطمع في مدن صناعية لا اقتصادية، إذ إن المدن الصناعية الصغيرة التي تحوي مصانع هي التي ستنفع المنطقة، الآن هناك مدينة يتم إنشاؤها في منطقة ناوان في تهامة، وسيكون موقعها تحت الجبل من أجل دعم المنطقة بالاستفادة من الدراسات التي تقوم بها وزارة التجارة، وسيتم الانتهاء منها في نهاية العام رسميا وأيضا يجري العمل حاليا في صناعية العقيق.
«الجزيرة»: هل تمت أية تعاقدات فعلية مع مصانع لتشغيلها في هذه المنطقة؟
- نحن الآن ننتظر المستثمرين الراغبين في إنشاء مصانع في المنطقة، كما أن الدولة وضعت أسعاراً رمزية لاستئجار الأرض (أربعة ريالات لتخصيص الأرض وريال واحد فقط للمتر) ونحاول جاهدين لإنقاص المبلغ حتى لو وصل إلى النصف في سبيل جذب المستثمرين.
«الجزيرة»: الطريق الدائري في الباحة تم إقراره بمليار ريال، ويؤكد مدير الطرق في المنطقة أن هذا الطريق سيتأخر إتمامه بسبب عوائق، إلى أي مرحلة وصل الآن؟
- الدائري الذي يبلغ طوله 60 كيلومترا ما زال العمل مستمرا به حتى الآن، وسبب تأخره الطبيعة الجبلية للمنطقة، فالكيلومتر الواحد منه يستغرق عملا لمدة 6 أشهر، الطريق يتم إنشاؤه على جبال شاهقة وهذا العمل مجهد وشاق، وهذا لا يعفيني كمسؤول أن أطالب وزير النقل بتخصيص مبلغ لعدد كيلومترات أعلى في كل ميزانية تُقر، إذ إن الوزارة تخصص في كل ميزانية مبلغا لإنهاء ستة كيلومترات أو سبعة على الأكثر، مما يعني أن هذا المشروع سينتهي في فترة قد تصل إلى 10 أعوام، وبالتالي المواطنون يستغربون ويتضايقون من طول المدة ويوجهون اللوم للإدارة المحلية، وهو لا يعلمون أن المخصص من ميزانية الوزارة لهذا العام يكفي ستة كيلومترات فقط، المقاول بعد انتهائه من هذه الكيلومترات ينتظر حتى تطرح الوزارة بعدها المرحلة الأخرى في الميزانية التي تليها، وقد طالبت وزير النقل أن يطرح المشروع كاملا، خاصة أن المشروع لم يتبق منه إلا ما يقارب 30 كيلومترا فقط، والانتهاء من هذا المشروع سيقرب المسافات بين قرى ومحافظات المنطقة.
«الجزيرة»: هل هناك عوائق أخرى لإتمام هذه المشروع؟
- العائق الرئيسي كما قلت هو العامل الجغرافي وصعوبة تضاريس المنطقة، يوجد عوائق أخرى مثل حجج الاستحكام، إلا أننا تغلبنا عليها لأن الدولة رعاها الله عندما تشق طريقا ويكون لأحدهم ملكية ثابتة يتم تعويضه، ولجان التعويض موجودة سواء في الأمانات أو لجان الطرق، والمصلحة العامة مقدمة على المصالح الخاصة.
«الجزيرة»: إذن قضية الانتهاء من الطريق الدائري في الباحة يقع ضمن مسؤولية وزارة النقل؟
- نعم هي كذلك، لكني لا ألوم معالي وزير النقل لأنه لا يخدم فقط منطقة الباحة، لديه 12 منطقة أخرى، ولكني أتمنى أن تحظى منطقة الباحة باهتمام أكثر.
«الجزيرة»: نسبة إشغال أسرة المستشفيات في الباحة تصل إلى 59%، مما يعني أن الخدمات الصحية في المنطقة كافية لأبنائها، بماذا يفسر سموكم إذن بحث بعض أهالي المنطقة عن مستشفيات في المدن الكبرى للعلاج؟
- الجواب له شقين، الأول يخص الاكتفاء الذاتي من الأسرة في المستشفيات، إذ التقيت بوزير الصحة الدكتور عبدا لله الربيعة، وأطلعني على معلومة كانت مفاجأة بالنسبة لي، وهي أن منطقة الباحة تعد الأولى بين مناطق المملكة في نسبة الأسرة لعدد السكان، حيث تتوفر 7 أسرة لكل ألف ساكن في الباحة، أما في الرياض فسريرين لكل ألف، وجدة 1.9 لكل ألف.
الشق الثاني من الجواب حول وجود هجرة من أجل العلاج، فهي نابعة من كون التخصصات الطبية ليست كلها متوفرة في مستشفيات الباحة، من الطبيعي أنك لن تجد امرأة من الباحة تسافر للرياض من أجل الولادة، فالباحثون عن العلاج من أبناء المنطقة في المدن الكبرى يخرجون من أجل الأمراض المستعصية حفظنا الله وإياكم منها.
لو ألقينا نظرة على مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية، لوجدنا أن هناك ولايات متخصصة في أنواع محددة من الأمراض، فعلى سبيل المثال كليفلاند لديها مراكز متخصصة في أمراض القلب، أما هيوستن فلديها مراكز متخصصة في الجراحات المعقدة المختلفة، صحيح أن وزارة الصحة لا تستطيع نشر كل هذه المستشفيات والمراكز في جميع مناطق المملكة، لكنها تستطيع أن توزع المراكز المتخصصة وبجودة نوعية مميزة على جميع المناطق، بحيث يتم تنويع التخصصات المختلفة في مجال طبي معين على المناطق، وهذا سيفيد المرضى من جهة الخدمة النوعية الجيدة، وسيخفف الضغط على المدن الكبرى.
«الجزيرة»: هناك اتفاقية تم توقيعها مع البنك الإسلامي للتنمية مؤخرا لدراسة المنطقة، هل بإمكانكم أن توضحوا لنا ماهية هذه الاتفاقية؟
- هي اتفاقية مبدئية وقعناها مع الدكتور أحمد محمد علي الذي أبدى رغبة البنك واستعداده لتقديم الدراسات اللازمة لمشاريع تنموية خاصة بمنطقة الباحة، وأيضا أبدى استعداد البنك لتقديم الدعم المادي إذا احتاج الأمر سواء للمستثمرين أو للأفراد.
«الجزيرة»: إذن طبيعة الاتفاقية التي أبرمتموها مع البنك الإسلامي استثمارية؟
- تنموية من ناحيتين استثمارية واجتماعية.
«الجزيرة»: في نهاية هذا الحوار هل لسموكم أن يقدم بشرى لأهلنا في منطقة الباحة حول مشروعات جديد أو برامج لخدمة المنطقة؟
- لا أستطيع الآن إلا أن أقول إنني سأبذل كل ما يستطيعه إنسان من أجل خدمة أهلي في الباحة، سائلا الله أن يجمع بين قلوبنا بالخير والتعاون من أجل منطقتنا الحبيبة.