من الواضح أن الأمريكيين لم يتخذوا قراراً نهائياً من رحيل الأسد رغم التصريحات النارية التي يرددها بعض المسؤولين الأمريكيين بين الفينة والأخرى تطالب برحيله. السبب في تقديري أن إسرائيل تجده خير من يحافظ على جبهة الجولان هادئة، وبالتالي فإن البديل قد يُشعل هذه الجبهة التي أبقاها الأب ومن ثم الابن هادئة خلال العقود الأربعة الماضية. الأسد يدرك هذه الحقيقة، لذلك فهو يتعامل مع المعارضة بكل هذا القدر من القمع غير المسبوق لأنه حتى الآن مُطمئن إلى أن الغرب لن يجرؤ في تقديره على التدخل العسكري وإسقاط النظام إلا بموافقة إسرائيل؛ ودون تدخل عسكري سيبقى هذا النظام يُبيد في شعبه ليجبرهم على الإذعان، أو ينفصل هو وطائفته ويكون دولة في جبال العلويين كخيار أخير.
ورقة الجولان كانت وما زالت صمام أمان بقاء نظام الأسد الأب، وهي الآن ورقة بقاء الابن؛ والإسرائيليون الآن يدركون على ما يبدو أن بقاء الأسد شبه مستحيل؛ غير أن إنهاك الجيش السوري وإضعافه، وتمزيقه يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا، ويجعل من سيأتون بعده يرثون جيشاً منهكاً وممزقاً.. والإسرائيليون لا يهمهم من يحكم سوريا، بقدر ما كان يهمه أن تبقى الأقلية العلوية في الحكم لتبعد عن الجولان المحتل أية مطالبة (وطنية) من شأنها إزعاجها بالتخلي عن الجولان، وإعادته إلى الوطن السوري. غير أن ذلك لم يعد بالإمكان بعد انتفاضة السوريين على النظام؛ وفي الوقت نفسه فإن بقاء الثورة الشعبية مُشتعلة في سوريا قد يؤدي إلى خلق حالة حرب أهلية شاملة، يتسرب من خلالها (الجهاديون) إلى سوريا، وتشتعل جبهة الجولان، ما يضطر إسرائيل إلى التدخل رغماً عنها كطرف في الحرب الأهلية. الأمر الذي يجعل الإسرائيليين ومن ورائهم الأمريكيين مترددين في التعامل مع الأزمة في سوريا؛ فبقاء نظام الأسد في مصلحتهم بلا شك، غير أن بقاء الأزمة وانزلاقها إلى الحرب الأهلية قد يُفقدهم السيطرة على الأوضاع، ويخلق في سوريا نوعاً من الفوضى لا تستطيع لا إسرائيل ولا أمريكا السيطرة على تطوراتها؛ وهذا ما يجعل التعامل مع القضية السورية بالنسبة لأمريكا والغرب عموماً غاية في التعقيد، فالخيارات محدودة، والتطورات مفتوحة على كل الاحتمالات، فأي تطور مفاجئ قد يأخذ بالأزمة إلى ما لا ترغب فيه إسرائيل، ويجر الغرب مضطراً إلى التدخل العسكري وإسقاط الأسد.
لذلك فإن إسرائيل ومن ورائها أمريكا تتعامل على ما يبدو مع أزمة سوريا بمنطق (دعونا ننتظر ونرى)؛ وطالما أن الأمور لم تصل إلى نقطة الانفلات، وإلى الحرب الأهلية الشاملة، و(دخول الجهاديين) كطرف في الصراع، فلن تتدخل، ولن تُسلح المعارضة؛ ولكن عندما ترى أن النظام فقد السيطرة على الوضع أو يكاد، فأمامها خياران: الأول الضغط في اتجاه حل الأزمة على شاكلة الحل اليمني، حيث يتخلى الأسد عن السلطة لنائبه، ويجلس مع المعارضة على طاولة الحوار، على أن يتم إجراء انتخابات لاحقة، تنتهي بسوريا إلى دولة ديمقراطية، يحكمها القانون وليس العصابات العلوية.. الخيار الثاني التدخل العسكري بحجة حماية المدنيين، وتسليح الكتائب المنشقة من الجيش وفرض إقصاء النظام بالقوة على الطريقة الليبية؛ هذا الحل سيكون بلا شك أسوأ من الخيار الأول، لكنه سيمنع انزلاق سوريا إلى الاحتمال الأسوأ وهو الحرب الأهلية الشاملة.
الأسد ساقط لا محالة غير أن توقيت بقاء الأسد أو إقصائه وكذلك بقاء الغرب عملياً بعيداً عن التدخل في الأزمة السورية، هو قرار إسرائيلي بامتياز، تحكمه حسابات المصلحة الإسرائيلية.
إلى اللقاء.