لو كتبت مذكراتي بكل ما حفلت به حياتي منذ تخرجت من الدراسة الابتدائية في البحرين حتى يومنا هذا لاحتجت إلى مجلد واسع.. ولكني لم أفعل بعد ويكفيني اعتزازا أني أحمل كلمة الحق كمسؤولية بيني وبين ربي وقرائي. وأعتبر الكلمة لبنة للبناء، كما هي سلاح للدفاع عن الهوية والمستقبل.
قد تكون تفاصيل حياة غير النمط السائد في الخليج ولكنها تميزت منذ طفولتي بخطوات ريادية لعل أقرب ما أستطيع توصيفها أن دور الرائدة هو دور البلدوزر الذي يعبد الطريق الصعب لتعبره أجيال القادمين والقادمات بسهولة أكثر.
و لعل أهم إنجاز تحقق هو إثبات أن المرأة تنجح في القيام بعملها بجدية وبشقيه على السواء ربة للمنزل وحاملة لمسؤولية وظيفية. فقط حين تنجح الرائدات المبادرات يرتاح صانع القرار في إقرار مبدأ إيجابية عمل المرأة وضرورة تحقيقه بصورة شاملة.
نجاح الرائدات واقتناع صانع القرار يقنع المجتمع بالثقة بالمرأة. والملاحظ حتى الآن أن إدخال المرأة كعضو فاعل في المؤسسات الرسمية بما في ذلك الوزارات -كما هو في أي موقع آخر في المجتمع - لا يتحرك إلى الأمام إلا بقرار حاسم من صانع القرار وينفذ ببطء وبمشقة، لأن إعطاءها حقها كمواطنة يستنفر مقاومة فئة تفضل إبقاءها مرتهنة فقط في دورالأنثى. ومع هذا فاقتناع كل فئات المجتمع عملية متواصلة. وعلى المرأة إنجاح التجربة أينما كانت.
وحتى الآن المحاولات الرسمية لجعل المرأة حضورا حضاريا موازيا لحضور الرجل ترتطم بتناقضات متوارثة يرفعها الرافضون من الجنسين. نراهم يختلقون ويصدقون ويراكمون العقبات؛ متعذرين بأن حضور الأنثى مخاطرة تهدد استقرار المجتمع, مهمشين دور المرأة باختزاله في فروقات البيولوجيا, أو متعللين بأن أحقية الحضور لا تشملها لأن الأفضلية للذكور الذين ما زالوا ينتظرون تحقق طموحاتهم. رؤية متحيزة تختزل المرأة حين تصورها - مهما تأهلت وتعلمت وأبدعت- ليس قدرة واعدة وطاقة عمل مطلوبة بل جسدا يجب تغطيته، وصوتا من الأفضل ألا يسمع، إلا حين تقنع غيرها من النساء بأن هذا الحكم المجتمعي بتغييبها هو الأمثل. ومن لا ترى رؤيتهم ناشز معقدة تفتقد الأنوثة، أو جاهلة غسل دماغها بمؤامرة غربية.
إلا أن النخبة من النساء اللاتي أثبتن تميزهن عبر إنجازاتهن في كل الميادين المهنية والتخصصية بالرغم من العقبات الكأداء تؤكد قدرة المرأة على الإنجاز متحررة من تصنيفات الإطار الخانق.
الحمد لله أن الأطر الثقافية المحددة لدور أي فئة من البشر في أي مجتمع بعينه في التاريخ الإنساني لا تحتفظ بصلادة دائمة فصلاحيتها فعالة لمراحل محدودة, ولذلك فهي عاجزة في حالات التراجع عن منع حركة التطور إلاوقتيا.. وإن حاول بعض أن يخلدها سمة مستمرة.
و لعلنا ونحن نواجه يوميا محاولات التحجير على حضور المرأة ومساهمتها في الحياة العامة عملا وعطاء وإضافة نتذكر أن العقبات لا تدوم إلا بقدر ما نتردد في تغيير الإطار المجتمعي العام الذي يولدها فكرة ويحاول ترسيخها كمعطيات خالدة.
هي مسألة وعي: فلنؤكد أننا رجالا ونساء نملك الوعي لنتصرف كمجتمع متحضر،كما هي قيم ديننا. وأن من يشكك في ذلك لا يمتلك البصيرة ليستحق أن يتحكم في ثقافة المجتمع أو مسيرة المستقبل.
سعيدة أنا بالتكريم سواء ذاك الذي نلته في البحرين جائزة التفوق العلمي.. وذاك الذي نلته في دراساتي العليا كطالبة أجنبية تدرس في أمريكا، أو تكريمي في الجنادرية 26 كرائدة, أو تكريمي بجائزة الشرق الأوسط للتميز كامرأة قيادية.
هي علاقة ثنائية بين المرأة ومجتمعها أينما كانت. ولذا أهدي كل هذا التكريم لمجتمعي الخليجي العربي المسلم.. ولكل نسائه أقول.. نحن جديرات بالتكريم وقادرات على التميز.. فكوني مبادرة في حمل المسؤولية وستقطفين الثمار لك وللمجتمع.