ما سأذكره الآن قد يثير حفيظة أصحاب مراكز التسوق الكبيرة ولكن لا بأس، «مخربها مخربها» كما يقول العامة! ذلك أني من ضحاياهم ولا منأى من أن أشارك القراء الأكارم ما وقعت عليه من معلومات كتبها خبراء هذا المجال. باختصار، قبل أن تذهبي للسوق، اطلبي من إحدى معارفك أن تلطمك. هل استشطتِ غضباً؟ مبروك، أنت الآن جاهزة للتسوق! لا نحث على ذلك طبعاً وإنما هي مبالغة لتوضيح الفكرة، وهي نتيجة تجلت من دراسة أجراها باحثون عام 2011م وجدوا فيها أن الاسترخاء يدفع المرء لشراء المزيد الذي فعلوه هو أنهم قسموا المتطوعين إلى فريقين وعرضوا علىكل من الفريقين سلعاً على الإنترنت وطلبوا منهم أن يزايدوا عليها ويقدِّروا أسعارها (مثلاً كاميرا رقمية)، ولكن قبل بداية التجربة فإن أحد الفريقين كان قد خضع لتمارين تزيد الاسترخاء، وأما الثاني فقد طلب منهم الباحثون أن يتخيلوا موقفاً أغضبهم في الماضي وأن يعيشوه، ولما بدأت التجربة لاحظوا أن المسترخين زاد تقديرهم لقيمة البضائع التي عُرِضت عليهم، ويعتقد الباحثون أن السبب هو أن المسترخي ينظر للأمام ويتخيل السلعة على المدى البعيد، فعندما يقوم بالمزايدة على الكاميرا فهو يتخيل جهازاً يحتفظ بالذكريات الجميلة، أما الغاضب فلا يتأمل الفكرة هكذا وإنما السلعة فقط وبتفكير محدود، فلا يفكر إلا في ميزاتها وهل تستحق سعرها، وهكذا. بعد أن انتهت التجربة لوحظ أن المرتاحين نفسياً أنفقوا أكثر من الغاضبين بنسبة 15%.
ما يَحسُن التنبيه له هو أنه رغم أهمية دورمشاعرك في التأثير على عاداتك الشرائية إلا أنك مهما فعلت فإن العوامل دائماً تتضافر ضدك، والفضل يعود للتجار ومكائدهم الماكرة! إن تصميم مراكز التسوق يحث الشخص على شراء المزيد والمزيد من البضائع وإن لم يحتجها، وهذه بالغة الأهمية لأصحاب المراكز، حتى إن أحد الخبراء النفسيين ممن تخصصوا في دراسة الخدع التسويقية يقول: «لو أننا لم نذهب للأسواق إلا وقت الحاجة وإذا صرنا هناك لم نشترِ إلا ما نحتاجه لانهار الاقتصاد!». عندما تدخل سوقاً فهناك الكثير من الحيل التي أُدمِجَت في كل شيء: تصميم السوق، مواقع البضائع، التسعيرات، حتى العروض المغرية مثل اشتر حبتين بمبلغ حبة واحدة، كل هذه الحيل صُنِعَت لتحثك على شراء المزيد والمزيد والرابح في النهاية هو السوق، مهما ظننت أنك خرجت بصفقات جيدة. مثلاً، الكثير من الأسواق عادة تخبز صباحاً وتبيع هذه الأطعمة خلال اليوم، ولكن لأن رائحة الخبز طيبة فإن بعضهم عندما يتوقف المخبز من عمله يستخدم علباً مليئة بهذه الرائحة ويرشونها في الجو لإثارة الشهية! عندما تتأمل البضائع المعروضة على تلك الدواليب الكبيرة وتأخذ في المشي فإنك تصل إلى نهاية الدولاب، ولكن لو تأملت الأسواق اليوم فستجد أن البضائع لم تنته هناك، بل هناك بضائع معروضة بعد انتهاء الدواليب تجدها إما معلقة أو موضوعة على طاولات صغيرة والهدف ألا ينقطع التواصل بين عينيك وبين السلع مهما كان. طيب، تقول إنك دخلت لتأخذ بعض الأغراض الأساسية مثل اللبن والزبادي وتخرج؟ ليس بهذه السهولة. ألم تلاحظ أن الأسواق غالباً تضع هذه المنتجات الهامة في آخر السوق؟ ليست هذه مصادفة! الهدف هو أن يعرضوا عليك الكثير من السلع وأنت متجه لجالون الحليب، وأثناء الذهاب والإياب ترى المئات من الأصناف البديعة والألوان الجميلة ولا تملك إلا أن تشتري لوحاً من الشوكولا التي جذبتك بغلافها الحَسَن!
إذا كان السوق يتكون من عدة أطباق فإن من أكثر وسائل الصعود والنزول هو السلم المتحرك، لأنه يعرض كامل الطابق على عينيك وأنت صاعد أو نازل. ومن أكثر الخدع شيوعاً هي ما يسمى التسعير غير المنطقي، وهو عندما تستخدم الكسور في الأسعار. مثلاً، يستقر رأي المالك على أن يكون سعر السلعة الفلانية 5 ريالات، ولكن يجعل سعرها 4 ريالات ونصف. قد تقول «وما الفرق الذي تصنعه نصف هللة؟»، والجواب أنه لا فرق في هذه السلعة وحدها، ولكن شراءك لن يقتصر عليها بل سيمتد إلى سلع أخرى، وهنا تؤتي هذه الحيلة ثمرها، فالعقل عندما يريد التقريب من أربعة ونصف إلى خمسة فإنه سيحتاج بعض الوقت والجهد، ولكن مع كثرة السلع فإن العقل يستثقل التقريب ولا يأخذ إلا أول الخانات، فتمتد يدك إلى جهاز إلكتروني سعره 99 ونصف، وتلقي في عربة التسوق كأساً سعره 19 ريالا، و عدة حبات من حليب بالشوكولا سعر الحبة ريال ونصف، وهكذا، لأن العقل لا يرى إلا 99 و19 و1، وتضافُر هذه الشراءات من أوجه ربح الأسواق.
لا أحد يستنكر أن يتاجر الآخرون ويسترزقوا ربهم، لكن أعتقد أن الطرق التي هدفها حث الناس على صرف الأموال التي تعبوا في تحصيلها لشراء سلع لا يحتاجونها هي طرق تقترب من النطاق غير الأخلاقي. كونوا حذرين، اشتروا فقط ما تحتاجونه، ادفعوا الحساب، ثم فروا مسرعين!