تفقد البلــدان الإســــلامية آلاف الأشـــخاص ذوي المهارات كل سنة، مهندسين، وأطباء، وعلماء وفنيين. وتعد هذه الهجرة استنزافاً لأهم ثروة تملكها البلدان الإسلامية، لأن هؤلاء المهاجرين يمثلون المورد الأكثر ندرة لتلك الأقطار، وتكاليف تعليمهم مرتفعة جداً. ثم إن أثر هذه الهجرة على عرقلة التنمية في الدول النامية واضح، وأكيد، وربما كان الإنجليز على حق عندما أطلقوا على هذه الظاهرة: (ظاهرة نزيف العقول). إذ ليس أخطر على الإنسان من النزيف، إنه غير مؤلم، ولكن الموت بسببه محقق.
وتعتبر اليونيتار (معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث) أول من استخدم عبارة نزيف العقول في دراساتها. وتطلق في المقابل الأونكتاد على هذه الظاهرة اسم (النقل العكسي للتقنية). لأنها تعتقد أن العالم الثالث يفقد العناصر القادرة على تحقيق التنمية والتي تملك المقدرة والمعرفة العلمية والتقنية. ومن هنا فإن هجرتها إلى الدول المتقدمة تعد نقلاً للتقنية من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. إن النبغاء من العلماء طائفة صغيرة جداً بالنظر لمجموع الأمة، ولكنهم هم الذين يقاس بهم مستوى البلاد من التنمية والتطور.
وبلغة الأرقام والإحصاءات نقول إن عدد الأطباء العرب في بريطانيا قد بلغ 4600 طبيب، و35% من أطباء لندن وحدها من العرب. كما أن عدد الأطباء الإيرانيين المسلمين العاملين في نيويورك وحدها يفوق عدد الأطباء الإيرانيين داخل إيران. وتعد الإحصاءات المصرية خسارتها من عقولها بـ (350) ألف استقرت الغالبية العظمى منهم في البلاد المتقدمة.
وفي دراسة لليونسكو اتضح أن حوالي (10) آلاف من أرباب المهن العرب وعلى رأسهم العلماء والمهندسون والأطباء والخبراء والطلاب يهاجرون كل عام من ثمانية بلدان عربية وهي: (لبنان، وسوريا، والأردن، والعراق، ومصر، وتونس, والمغرب، والجزائر). ولا يمكن بأي حال تعويض هذه الخسائر جراء هذا الاستنزاف.
لذا، تكاد تتفق أغلب التفسيرات والتحليلات الخاصة بدراسة أسباب نزيف العقول في البلدان الإسلامية على أن عوامل الطرد من هذه البلدان قياساً إلى عوامل الجذب في البلدان الغربية أبرز سبب لذلك النزيف. ومما قيل في هذا الخصوص (المواطنون يعبرون أحياناً عن أصواتهم بأقدامهم).