المدينة المنورة - خاص بـ»الجزيرة»:
طالب داعية إسلامي بتفقيه الناس والعامة وجمهور المسلمين ببرامج وكتابات - (مبسطة في العرض)، مؤصلة تأصيلا شرعيا، في حقوق وخصائص وشمائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وأحكام تنقّصه وكيفية نصرة جنابه الشريف.
جاء ذلك في حديث لفضيلة الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة الشيخ الدكتور محمود بن محمد المختار الشنقيطي عن مكانة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتأكيد على جانب النبوة، وضرورة تبجيل، وتعظيم، وإجلال قدره - عليه الصلاة والسلام -، قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}، مشددا فضيلته على أن جناب النبوة إذا عُظم، عُظِّمت الشريعة والديانة وأوامرُ الله ونواهيه.
وأعرب فضيلته عن حزنه وألمه الشديد لما يظهر من استهزاء بين فترة وأخرى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وبمقام النبوة، وقال: فما أن تنتهي آثار ردة فعل الموحدين الغيورين، على مستهزئ ٍ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى تُطلّ هجمةٌ أخرى، في سلسلةٍ لن تنتهي ما بقيتْ سنّةُ التدافع ومعركة الحق والباطل.
ورأى الداعية الشنقيطي أن الغيورين على الدين عند الرد على أولئك المستهزئين من غير المسلمين، ومن يدور في فلكهم من المسلمين، تغيب عنهم أمور: الأمر الأول، صرْف الجهود عن تبيان الحق ودعوة الخلق، لتعظيم الجناب النبوي إلى الشخْصَنة أو المناطقية أو الجنس واللون والأصل فتعود دعوى الجاهلية جذعةً في المعركة، ملبّسةً بالغيرة على الدين في نسختها الجديدة (تصفية الحسابات السابقة بين الأشخاص والعصبية المناطقية)، ويغيب المقصد الأعظم وهو: تجلية الموقف الشرعي، وتذكير الكتبة والصُّحفيين والباحثين الشرعيين والعلماء بوضع قواعد شرعية ضابطة لمثل هذا الموضوع، واستثمار الحدث وتوظيفه للتحبير على محْكَم ومسلَم « تعظيم جنابه - عليه الصلاة والسلام-، وهو مُجمع ٌعليه ومتفقٌ عليه بين الأمة في حقه - صلوات الله وسلاماته وبركاته عليه-، ترجع إليه الجماهير المؤمنة، ويتربي عليه الكاتب والباحث المؤمن المعظِّم لنبيه - صلى الله عليه وسلم -.
وفي ذات السياق، قال فضيلته: كنا ننتظر من المستهزئ (حمزة) أن ينشر ويذيع توبته ولا ينقضها بتصريحاتٍ في وسائل إعلامية أخرى، تؤكد ندمه وصحة عزمه في الرجوع إلى حظيرة المعظّمين لجناب نبي الإسلام - صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، وليته فعل، والأمر الثالث: تحقيق «المناط الخاص» كما سماه الشاطبي - رحمه الله-، وهو معرفة الخاص ومقدار خصوصيته وما تستوجبه تلك الخصوصية في ميزان الشرع في الموضوع، ليس هو الانتقاص للجناب النبوي من عدمه، لأنه - عند علمائنا - كفر وردة والعياذ بالله، وإنما هو في مسألتنا وموضوعنا: إخضاع جناب النبي - صلى الله عليه وسلم - للتغريدات البشرية، أو للدراسات النفسية والأدبية، متسائلاً كيف يتعامل معه تعاملنا مع سائر الخلق؟، وهو الموحى إليه من ربه سبحانه: قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} وقوله جلَّ جلاله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فخصّيصة ُ النبوة والرسالة التي سَمى بها سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - هي مناط عظمته، لا كماله البشري الإنساني فحسب، لأن العبقرية والكمال الإنساني قد يمكن دعوى الاشتراك فيها، بخلاف النبوة والرسالة والوحي.
واسترسل فضيلته يقول: والذي يعرفه أهل الإسلام قاطبة ومنصفو مستشرقة الغرب، أنه لا يمكن إخضاع الأنبياء الموحى إليهم لمقاييس غيرهم من عامة البشر للعناية الإلهية بهم قبل الرسالة والنبوة، ولاصطفائهم واختيارهم من الله سبحانه وتعالى، فاختصوا بخصائص عن غيرهم تجعل قياسهم بغيرهم قياسا مع الفارق، وإخضاعهم لمقاييس مِن وضْعِ مَن هو دونَهم فاسدةُ الاعتبار، مشيراً إلى ما خلُص إليه الفيلسوف والكاتب المسرحي الأيرلندي «برنارد شو» ت 1902 م، في كتابه الذي أحرقته السلطات البريطانية «محمد منقذ الإنسانية»، فهو يعتمد أساسا على قراءة شخصية النبي - صلى الله عليه وسلم - في ضوء الرسالة والنبوة، إذا، فكيف يجْرؤُ أتباعُه ومحبُّوه على تجريده وقراءته بعيدا عنها!!.
وشدد الدكتور محمود الشنقيطي على علو مرتبة «التعظيم للجناب النبوي»، وقال: إنها مرتبة فوق «مرتبة المحبة» التي هي شرطٌ في الإيمان، وقد قررها علماء الإسلام كالإمام البيْهقي رحمه الله في «شعب الإيمان»، فليس كلُّ محبٍ معظّما؛ ألا ترى أن الوالد قد يحب ولده، ويدعوه حبُه لولده إلى إكرامه ولا يدعوه إلى تعظيمه وتبجيله؟، وأيضا، الداعي إلى المحبة ما يفيض من الخيرات على المحب، وأما المعظِّم فداعيه إلى التعظيم ما في المعظَّم من الصفات العلية عنده، فكل عبارة - وإن سلم من المؤاخذة بها قائلُها شرعا - تطلق في حق الأنبياء يفهم منها عدم تعظيمهم، فلا يسوغ تأدباً معهم إطلاقها، وقد أدبنا الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه بتجنبها قال تعالى: {قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} فنهى الله عن قولهم هذا، لأن مفهومه أنه ما جاءهم بالحق إلا في هذه المرة من عدة مرات سبقت، وفي الكتاب الكريم توجيهات جلية كثيرة تعزز هذه الشعبة العظيمة من شعب الإيمان.
وأكد فضيلته على ضرورة وأهمية استعمال «الألفاظ العربية الشرعية» عند الكتابة والحديث عن الأنبياء والصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم أجمعين، لأنها أسلم وأوضح وأحكم وأبعد عن احتمالات التّنَقُص من أقدار الرموز الشرعية الدينية، فالألفاظ العامية الدارجة السوقية ما يستساغ منها في بيئةٍ، قد يُسْتهْجَنُ في بيئةٍ أخرى، ومن يغرد ويخرج في الفضائيات ويكتب أولى بأن لا يغيب عنه استحضارُ الخطاب العالمي للأمة جمعاء باللسان العربي المبين إن كان غرضُه من الكتابة والحديث شريفاً نبيلاً.
وخلص الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالمدينة المنورة إلى القول: من باب الإنصاف والعدل في حق كل من يُفهم منه انتقاص عرض النبي - صلى الله عليه وسلم-، وحتى لو كان إسلاميا فضلاً عن غيره، ولو كان على خطابه مسحةٌ دينية، فلا أقل من إقامة دعوى قضائية احتسابية، في المحاكم عليه كما أقيمت الدعوى على المجاهر بهتك الأعراض، وقُبِلت الدعوى، إذ من المعلوم بداهةً أن عرض النبي - صلى الله عليه وسلم - من باب أولى الاحتساب عليه، وسد باب التطاول عليه أوجب، ولا يكفى فيه الاعتذار الشفهي - إن صَدر منه أو أعتُذر له وصدّره غيره!!! بل لا بد من التدخل بحكم شرعي صيانةً للدين وحفظا للعامة من الوقوع في فوضى الافتئات على تطبيق الحد والثأر والانتقام من الأفراد، سائلاً الله أن يرزقنا تعظيم مقام سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ومحبته وتعظيمه وإتباع سنته، وأن يرزقنا شفاعته والشرب من حوضه الشريف.