هكذا هي رحلة الحياة تبدأ، وتنتهي في لمحة بصر، ويصبح الجسد ساكناً بلا حراك. وقد تكون الرحلة قصيرة عند البعض، لكنها عند آخرين طويلة؛ لتترجم قسوة الذهاب بلا رجعة، وصعوبة الرحيل بلا وداع، عندما تتبدى شجرة العمر، وتتساقط أوراقها - الواحدة تلو الأخرى -. ولا ندري حينئذ في هذه اللحظة المهيبة: أيهما أشد وقعاً على النفس، أهي لحظة الفراق؟ أم لحظة الحنين بعد الفراق؟
مثلما بدأت مسيرة كفاح - الشيخ - عبد الرحمن بن عبد العزيز الفهد السعيد، طُويت آخر أيام حياته، بعد أن فاضت روحه يوم الأحد: 11-4-1433 هـ، فترك بصمته على مَن حوله، كندوة الماء الصافي على بقايا أوراق الشجر، وأثمرت رحلة حياته عن حقيقة معنى «الاستخلاف في الأرض» بوعي دقيق، حتى وإن عرقلته عاديات الليالي، والأيام، إذ سرعان ما ينهض، ويتابع المسير، ويوقد فتيل عزمه من رغبته في الانتصار على تلك الأقدار المؤلمة، كفراشة تتبع رحيق الأزهار الجميلة.
غادر الحياة بصمت، واستسلم للسكون الأبدي بهدوء؛ ليترك فيمن حوله ثروة من المشاعر الإيجابية؛ وليعلّم من حوله: كيف يواجهون مسيرة الحياة، كما كان مبدؤه، الذي امتزج النبل في شخصيته بالفكر الإداري، والتجاري. فالحياة رحلة للعاملين نحياها في ربوع من النجاح، والفشل، إلا أنها ستكون فريدة وقت نهايتها، عندما نستخدم معها أداة الإيمان بالقدر، مقروناً بأداة العمل الصالح.
ولأننا شهود الله في خلقه، ولا نزكّي على الله أحداً، وإنما نحتسبهم، والله حسيبهم، فقد حدثني والدي عنه كثيراً، من خلال صور ظلت عالقة في ذهنه، ووجد صداها في داخله. فلا تسل - حينئذ - عن حسن خلقه، وسخاء نفسه، وحبه للخير، ولا عن سيرته العطرة حين تفقده عند السيئة، وتجده عند الحسنة، حتى جاوز من عمره الستين من السنين، وكأنه يعيش بين الناس بقلبه، وعقله، وجسمه، فحمدوه، وأثنوا عليه، وأبصرت في المدى البعيد حياة كريمة - بإذن الله - ينتظرها.
وبعد.. فهذه سنة الحياة، وواقع لا بد أن نتقبله. وحسبنا أن نسقي مسامعنا من رحيق الأدعية، حين رأيت جسده تكسوه السكينة، وسنرفع أكفنا إلى السماء؛ ليرحم الله عبده، ويرفع درجته في المهديين، ويخلفه في عقبه. وأن ينير الله مرقده، ويعطّر مشهده، ويطيب مضجعه.
drsasq@gmail.com