ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Friday 09/03/2012/2012 Issue 14407

 14407 الجمعة 16 ربيع الثاني 1433 العدد

  
   

الأخيرة

متابعة

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة، لما فيه من فوائد مع كل حدث، وهو أطروحة علمية نال بها المؤلف الدكتور علي بن عبدالرحمن العمرو الدكتوراه، وقد طُبع ست مرات، آخرها ما بين أيدينا عام 1414هـ - 1993م مما يبرهن نفاستها وأهميتها المعرفية، وكان ممن أعجب بها م.د. إبراهيم العدوي، الذي جعل لها تصديراً في خمس صفحات...

مبيّناً أن المؤلفات التي تناولت هذا الموضوع على كثرتها، ساذجة النظرة، مبعثرة المنهج، وأدرك الدكتور علي العمرو تلك الظاهرة، حين أقبل على بحثه عن أثر الفرس السياسي في العصر العباسي الأول، فضاعف جهده في الموضوع، ومع الكثرة لم يجد مؤلفاً عالجه بصورة مستقلة، وأن هذه الزاوية جديرة بالدراسة.

والعامل الثاني: أن الدراسات التي عالجت هذا الأثر امتلأت بالمتاهات، والتضليل والتشويه، بسبب النافذة التي أطل منها كل باحث (ص8).

وقال الدكتور العدوي عن المؤلف أيضاً: وقد اضطلع بهذا الأمر في أمانة علمية، وهمة عالية، إذ جاءت النافذة العلمية الإسلامية، لهذا المؤرخ السعودي، أمراً هاماً في سبيل وضع الأمور في نصابها، بالنسبة لأثر الفرس السياسي، واختلاف النوافذ لا يغير الحقيقة التاريخية.

فنافذته التي أوضحها في مقدمته، وعجز عنها المؤرخون السابقون، وكذلك اللاحقون له، قد فرضت عليه أن يلتزم منهجاً، يكفل له عن أهمية هذه الحقبة الهامة، من نشاط الفرس السياسي في الدولة العباسية، بما برهن في تحقيق التوازن(10).

وفي مقدمة المؤلف: نراه يعتبر العصر العباسي الأول: ينتهي بنهاية المأمون، لأن هذا يفصل بين الفترة التي كان للفرس فيها نفوذ كبير في الدولة العباسية، والفترة التي حل فيها الأتراك محل الفرص في تدبير الدولة العباسية، منبهاً إلى أنه قد تحدث بإيجاز في خاتمة الرسالة، عن الأتراك كعنصر خلَّف الفرس على المسرح السياسي، وكيفية بدايتهم ومدة نفوذهم السياسي (ص14).

ومع ذلك فقد عالج بعض التطورات التي وقعت من الفرس بعد عصر المأمون، لأن الأحداث ترجع جذورها إلى عدة سنوات، مثل معالجته لحركة بابك الخرّمي، وحركة المازيار بن قارن، لأن لكل منهما جذورها التي تمتد طويلاً في الفترة السابقة. وعلى رأس المصادر التي أفادته كثيراً: كتاب «الوزراء والكتّاب»، لمحمد بن عبدوس الجهشياري، الذي تجمعت فيه عدة خصائص، لها أهميتها القصوى (ص15).

وفي المقدمة التي بدأها من ص12 إلى ص37 استعرض فيها خطته في البحث التي شملت فصول الكتاب الستة، وبعضاً من مصادره.

فالفصل الأول: عن الفرس والدولة الإسلامية، تحدث فيه عن الإمبراطورية الفارسية وقت ظهور الإسلام، متسلسلاً مع مسيرة الفتح الإسلامي لفارس، في عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ومكانة الفرس في الدولة الأموية، معرجاً على دولة الفرس قبل ظهور الإسلام، ووقت ظهوره، وذكر وقعة ذي قار، التي انتصر فيها العرب على الفرس، وهي أشهر المعارك بين عرب الجاهلية والفرس بالنصر المؤزر، في بداية خروج الرسول بالدعوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي انتصروا».

ثم لما استتب الأمر ودخلت الجزيرة العربية في الإسلام، وبعد أن اطمأن صلى الله عليه وسلم، رأى أن يُخرج الدعوة لما وراء الحدود، وأعظم من يجاور الجزيرة، دولتان هما: دولة الروم، ودولة الفرس الساسانية، وأهل فارس ذلك الوقت يكرهون الساسانية لاستبدادهم. ولقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، رسالة مع عبدالله بن حُذافة السهمي للفرس، هذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاء الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.

ولما قرأ كسرى الكتاب قال: يكتب إليَّ هذا وهو عبدي، واستشاط غضباً وثار ولم يقبل الدعوة، ومزق الكتاب.

فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مزَّق الله ملكه كما مزّق كتابي. فكان المتابعون لأعمال الفرس وثوراتهم على مر السنين، لا تقوم لهم قائمة ضد أهل السنة، حيث أصابتهم دعوة رسول الله.

ثم استعرض الحروب المتعددة مع الفرس، التي تنتهي بهزائهم، وآخرها مع يزدجرد، التي تتالت هزائمه، حتى أدركوه مختبئاً في طاحونة، فقُتِلَ، وبذلك دخلت بلاد فارس تحت الولاية الإسلامية.

وفي الفصل الثاني: تحدث عن دور الفرس في قيام الدولة العباسية، والتنظيم الإداري للدعوة للعباسيين، وانتشارها في خراسان، والسر في اختيار خراسان مركزاً لها، وأيام أبو مسلم الأولى، وأوضح أن الفرس وغيرهم من الموالي كانوا متذمرين من الأمويين، للتفريق بينهم وبين العرب في الحقوق والمعاملات، لذلك كانوا عوناً لكل من خلع الطاعة، أو طلب الخلافة من العلويين والخوارج وغيرهم، ومن هنا اختار العباسيون خراسان لتزلُّف الفرس لهم ضد الأمويين.

وفي الفصل الثالث: تحدث عن تاريخ الوزارة، وطمع الفرس فيها، وبين أنهم فئتان، وزراء خطرون، ووزراء مسالمون، ولأهمية هذا المركز في حرية التصرف، كما حصل في عهد البرامكة، حيث حظي الفرس بوزارة التفويض، بصلاحيتها المهمة (ص159)، وذكر من الوزراء الخطرين أبو سلمة الخلال، لكن السفاح خطط للفتك به، وجعل قتله يتم بفارسي آخر هو أبو مسلم الخراساني، فكانت نهاية خلافة تعني التخفيف من النفوذ الفارسي في الدولة.

أما المنصور فقد رأى أهمية التخلص من الزعامات الفارسية، بعضها ضد البعض الآخر، حيث أشعل نار العداء بين العناصر الفارسية، ومن ثم حال بين التكتل، كان ذلك بتدبير المنصور، بدليل ما قال لأخيه أبي العباس: أطعني واقتلْ أبا مسلم، فوالله إن في رأسه لغدرة.

إلا أن أبا العباس تمهل في التنفيذ ومات، فما كان من المنصور بعدما تولى استخدم وزيره الفارسي: أبا أيوب المورياني، باستدراج أبي مسلم الخراساني بحضوره، ومن ثَمَّ القضاء عليه (ص173).

وبعد ذلك شعر المنصور من المورياني خيانة فسجنه عام 153هـ بعدما بقي في الوزارة مدة طويلة وهو من الموالي.

ولما مات المنصور خلفه ابنه المهدي، فكان وزيره من الفرس وهو معاوية بن يسار الذي مكنه بهذا العمل، واستنتج أن الفرس يتعاطفون مع بعضهم في التحايل على مصلحة الدولة، ومن ذلك عبث المسؤولين منهم في تبذير أموال الدولة، وتعمية الأمور، حيث جعل المنصور في تزكيته لمعاوية بن يسار هذا ما رفع مكانته، عند ابنه المهدي فاستوزره، لكن السِّعاية ضده كبرت (ص181 - 182).

وفي الفصل الرابع تحدث عن دولة البرامكة، فأبان في المقدمة: أن الوزراء الفرس، كانوا يديرون شؤون الدولة، بأغراضهم الخاصة، في ظل خلفاء أقوياء، وقد تبين مدى الخطورة في ظل الخلفاء الضعفاء. ويكفي مثالاً أن يذكر، أن الزعيم البُويهي: معز الدولة أحمد بن بُويْه، الذي دخل بغداد عام 334هـ ونجح في تأسيس أول حكم سياسي في بغداد، على حساب السيادة العباسية المتهاوية، ثم قال: بل لا نبالغ إذا قلنا إن الخلفاء العباسيين، كانوا بمثابة: موظفين لدى الأوائل من سلاطين البوهيين.

وذكر في ص203: أن المتحكمين في الدولة العباسية، إبان عهدها الأول أُسُراتٍ ثلاث كلها فارسية الأصل هي: أسرة ودولة البرامكة، وأسرة آل سَهْل والأسرة الطاهرية (ص203 - 205).

وفي الفصل الخامس: تحدث عن هذه الأسر ونفوذها وعن دور الفضل بن سهل في إقامة الدولة، ونهاية هذه الأسر وأسبابها (ص259 - 305).

وفي الفصل السادس: جعله للحركات الفارسية المعادية الثائرة على الدولة:

أولاً: أبو مسلم الخراساني، وباكورة الاتجاه. ثانياً: حركة سنباذ والراوَندية. ثالثاً: حركة أستاذ سِيْسْ. رابعاً: حركة المقنع الثائر ومذهبه. خامساً: حركة بابك الخُرمي. سادساً: حركة المازيار بن قارن. سابعاً: بين الزندقة والحركات الفارسية السابقة، وجهود الخلفاء في محاربة الزندقة، وهذه الحركات الفارسية، قد أخذت من المؤلف، دراسة ومتابعة لأعمالها (242) أخذت من الكتاب مائتين وثِنتَين وأربعين صفحة، والكتاب يقع في (417) أربعمائة وسبعة عشر صفحة، مع فهرسة الموضوعات، فهمو مهم في موضوعه وجيد في عرضه، وفي مناقشته للأحداث.

وقد بين الاهتمام الفارسي، في نظرتهم الدونية بالعنصر العربي، ونقمتهم عليهم، ويرونهم قد سلوبهم ملكهم، مع أن المالك هو الله سبحانه: (يعطي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء).

وغاب عنهم ما جاء في كتاب الله {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران 140)، وأن الله سبحانه هو القائل: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران آية 26).

وقد بان من هذا الكتاب، أن أثر الفرس في الدولة العباسية الأولى كما يلي:

- بدايتهم في الوزارة من صفحة 151 - ص199 حسب صفحات كتابه.

- دولة البرامكة حتى نكبتهم على يد هارون الرشيد من صفحة ص201 إلى ص258 .

- آل سَهل والطاهريون من صفحة 259 - 305 .

- الحركات الفارسية المعادية: أبو مسلم الخرساني من ص305 - 326.

- حركة سنباذ من ص327 - 330 - ومن ص306 خصصة للحركات الفارسية المعادية.

- حركة الراوندية من ص332 - 335 - وفي الفصل الرابع ص340 عن المقنع الثائر ومذهبه.

- حركة استاذ سِيْسْ من ص337 - 339 - وفي صفحة 362 عن الزندقة والحركات الفارسية، وغيرها من الحركات الكثيرة، فمنها ما كان عمرها قصيراً، ما عدا حركة بابك الخرّمي، التي زاد عن عشرين سنة، وهو يطاول الدولة العباسية حتى قُضي عليه، بعد القضاء على من كانوا قبله، ممن أرهق الدولة العباسية، متجاهلين في عدائهم، دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأثرها في تمزيق ملكهم.

والكتاب فيه معلومات قيمة، وأحداث متتالية في موضوعه، وأن دولة الإسلام لا تقوى إلا بامتثال كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

تأملات في أثر الفرس السياسي في العصر العباسي الأول
د.محمد بن سعد الشويعر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة