عندما ترتفع الأسهم فإنها ترتفع مدفوعة بالنواحي النفسية للبشر وليس بالضرورة أن تكون قائمة على أسس علمية واقتصادية جيدة، ولهذا فإن أي إحساس بأن النمو الاقتصادي العالمي آخذ في الانطلاق يجعل المستثمرين يهرولون مسرعين للاستثمار، لعل ذلك يضيف لهم شيئاً من الأرباح، متناسين القواعد الاقتصادية التي ربما لم تتغير، وإنما حدث النمو بسبب أن حكومات معينة اتخذت سياسات آنية ذات تأثير على الاقتصاد العالمي، ولهذا فإن كثيراً من المستثمرين سيجدون أنفسهم بعد حين قد خسروا شيئاً من استثماراتهم، لأن الواقع سوف يفرض نفسه، والحقيقة لابد لها أن تظهر ولو بعد حين.
اقتصاد لم يتغير وضعه في الولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر اقتصاديات العالم، حيث تشكل نحو 27% من إجمالي قيمة الإنتاج العالمي، فالدين ما زال هو بل يزيد بمعدلات غير يسيرة في الدقيقة الواحدة، والبطالة تراجعت بنسبة معقولة لكنها ليست بالضرورة ستستمر كذلك، حيث إن ذلك ناتج عن ضخ أموال كثيرة في السوق ثم الحصول عليها بمجرد اقتراض داخلي وطبع مزيد من الدولارات. ولهذا فإن الواقع لم يتغير لكن سياسات آنية ساعدت في تسارع الاقتصاد. ولعل الانتخابات القادمة كانت الدافع للاستعجال في رسم تلك السياسات ومن ثم تطبيقها، وهذا ما جعل الرئيس الأمريكي الحالي السيد/ أوباما يحصل على مؤشرات تحقق له التقدم في الانتخابات كما تقوله بعض بيوت الاستطلاعات، لكن الناس أيضاً يتلهفون على مكان يمكنهم من تحقيق الأرباح ويدفع بهم إلى استثمار أموالهم التي تعجز الفائدة أو السندات عن إعطائهم ريعاً بسيطاً حيث يقترب من الصفر في سعر الفائدة و2% في السندات.
أوروبا بدولها القوية من الناحية الاقتصادية مثل ألمانيا ودولها التي على حافة الإفلاس مثل اليونان تصارع من أجل بقاء اليورو، ولهذا فقد غيرت كثيراً من القوانين لتضمن الحد من الإنفاق الحكومي مع ما يصاحبه من آثار اجتماعية غير محمودة، لكن تلك المعالجات السريعة والمتمثلة في منح القروض بشروط صعبة، قد تفيد إذا كانت شعوب تلك الدول راغبة في العمل الجاد، وإلا لن تكون تلك القروض سوى أداة إضافية لمزيد من الدين الذي ربما يصعب رده فيما بعد، لهذا فإن المعالجة التي تمت في أوروبا تعتبر معالجة مؤقتة، لكن الأسس والقواعد الاقتصادية ما زالت غير مشجعة مثل القروض ومعدل النمو والبطالة وغيرها كثير، لذا فإن هذه الحلول الآنية تشجع المستثمرين على الاستثمار في الأسهم والسندات الأوروبية حتى يحين وقت الحقيقة وتبدأ بالأفول كما أفلت من قبل، والحصيف من يكون لديه نقد في ذلك اليوم القادم. أما أسواق الشرق ففيها تلك المتعثرة التي تسير على خطى مثيلاتها في غرب العالم، لكنها تعتبر تابعة لها وغير مؤثرة في توجهاتها. أما الدول الناشئة في الشرق الأقصى والأدنى فإنها ستظل تسير بسرعات كبيرة ومتفاوتة، لأن هامش النمو ما زال كبيراً، ويمكن للمستثمر أن يكون مطمئناً إذا كانت اختياراته الاستثمارية منتقاة بشكل جيد ومأمون.
في السوق السعودي ارتفعت الأسهم بشكل كبير وسريع، والحقيقة أن أسس قواعد السوق قوية ومتينة، فالقروض على كاهل الحكومة لا تذكر، والفوائض المالية كبيرة، والاحتياطي النقدي كبير، والإنفاق الحكومي مرتفع، ومؤشرات أسعار النفط تدعو إلى التفاؤل بالاستمرار، إضافة إلى الاستقرار السياسي. لهذا فإن معظم القواعد الأساسية للسوق قوية ومتينة، لكن ما يدعو للخوف تلك السرعة التي ينمو بها السوق مجتمعاً غثه وسمينه دون رؤية واضحة، وكذلك السرعة التي سار بها السوق، ومن هنا فإن أسهم تلك الشركات التي لا تستحق أن تواكب غيرها تعتبر نقطة سوداء في مسيرة هذا السوق المنطلق إلى الأمام بخطوات سريعة، غير أن ذلك الانطلاق لابد له من التهدئة حتى لا تكون الأسعار غير ممثلة تمثيلاً صادقاً لمعطيات تلك الأسهم، وآمل أن يبدأ المستثمر في قراءة ناتج سعر السوق مقسوماً على الإيراد وبناء عليه يمكن أن يقدم أو يحجم، إضافة إلى التوقعات المستقبلية لتلك الشركات حتى لا يقع كما وقع هو أو غيره في تلك الحفرة التي وقع فيها الكثيرون من قبل.