على الرغم من طموحات إيران في أن تصبح رقماً مهماً في معظم الملفات الإقليمية.. إلا أن موجات التغيير التي اجتاحت بعض دول المنطقة العربية... وأفرزت معطياتٍ ناجحة بامتياز لتشق طريقها وتحط الرحال على أرض سوريا... خلطت الأوراق وأربكت الحسابات التي رسمتها إيران لنفسها منذ عقود.
وما من شك بأن انهيارَ ديكتاتورية بشار الأسد ونظامِه المستبد الجائر والتي باتت وشيكة ستكون ضربة قاصمة لظهر النظام الإيراني الذي يعتبر سوريا بمثابة العمود الفقري في سياسته المتمثلة بتعزيز نفوذه الإقليمي في المنطقة العربية.. فضلاً عن كون سوريا حلقة وصل بينها وبين أهم حلفائها [حزب الله] جنوب لبنان.
ولأن رياح التغيير تزداد قوة لدفع الثورة السورية نحو الإطاحة بنظامه الأرعن.. فإن لحظة انهيار هذا النظام وسقوطِه تعني وضع العصا في حركة الدولاب لعجلة النظام الإيراني الذي يعتبر نظام الأسد شريكاً استراتيجياً... يُشكِل ضمانة لمصالحه ورئة يتنفس منها هواء المنطقة..أضف إلى ذلك الصفعة القوية والضربة الموجعة التي سيتلقاها الابن المدلل [حزب الله] الذي نبت من رحم النظام السوري برعاية إيرانية.
الاحتقان الإقليمي حول الأزمة السورية وصل إلى حدودٍ غيرِ مسبوقة.. والحضور الإيراني في معركة النظام السوري ضد شعبه تجاوز كل الحدود.. فإيران ترمي كامل ثقلها خلف النظام السوري الظالم المستبد خوفاً من سقوط حجر الزاوية الذي بنت عليه انجازاتٍ خططت ورسمت لها منذ ثلاثة عقود لتحقق مشروعها الإقليمي الذي تحلم به. لذلك فالثورة السورية ضد النظام الحاكم تمثل تحدياً جسيماً وخطيراً ومربكاً أيضاً لسياسة إيران الإقليمية.. وستلقي بآثارها وتبعاتها حتى على الشأن الداخلي لإيران.
وفي ضوء مجريات الأمور وتسارع الأحداث وتصاعد وتيرة المواجهة بين النظام السوري وشعبه.
وحول خلفية مجمل التقارير والمعطيات الفعلية التي تشهدها الساحة الدولية. تعيش إيران كابوساً مفزعاً..فرغم أن النظام السوري يواجه سيلاً من التهديدات من مختلف الأطراف الدولية والإقليمية. ورغم التحديات المتعددة وما يقابلها من ثباتٍ وإصرار للمعارضة وتصاعد لوتيرة ثورة شعب قوي الإرادة إلا أن إيران تحاول جاهدة على إنقاذ حكم الأسد بل تُصارع بشراسة للإبقاء عليه فهي تعي تماماً بأن فشلها في ذلك سيقلب المعادلة التي تسعى إلى إثباتها في منطقة الشرق الأوسط.. بالإضافة إلى ذلك فإنه سيغير مضامين السياسة الإستراتيجية التي أعدتها وهيأتها خلف الكواليس بالتضامن مع حليفتيها النظام السوري وحزب الله، هذا عدا أنها ستفقد موقعاً استراتيجياً مهماً تُعوِل عليه للعبور إلى العمق العربي ناهيك عن كونه همزة وصل لوجستية بينه وبين حزب الله هذا الحزب الذي صمت طويلاً منذ بداية الثورة السورية حتى نطق الفيتو المزدوج ليخرج من عباءته وكأنه منتصر ويراهن على صمود وأهلية النظام السوري.
المأزق الإيراني يتعمق... وكابوس انهيار حليفها الأوحد في الوطن العربي يؤرِقُها ويقضُ مضجَعها... فسقوطه هو سقوط الإستراتيجية الإيرانية التي طالما بنت عليها آمالاً.. وبتر لذراعيها اللتين تحتضن بهما حزب الله وكسر لشوكتها التي كانت تحاول بها زعزعة الأوضاع في منطقة الخليج العربي وإثارة الفتن بتحريضها ودعمها للأقلية الشيعية في المنطقة... وهذا ما اتضح عندما فشل مشروع الانقلاب الطائفي في البحرين والذي رعته ودعمته.. وراهنت عليه كثيراً.. واعتقدت أن نجاح مخططها في البحرين هو ركيزة مشروعها الإستراتيجي لفرض الهيمنة والسيادة... الفشل الذريع الذي مُنيت به في مملكة البحرين والقطيف والعوامية شرق المملكة العربية السعودية... ما هو إلا ضربة إستراتيجية قاصمة لمشروع إيران الإقليمي الزائف..[ولن يفلح الطغاة من حيث أتوا].
الضربة الموجعة التي ستتلقاها إيران أمام حقيقة الإنهيار الحتمي والقريب للنظام السوري.. وتفكك التحالف المشترك للمثلث ثلاثي الأضلاع الذي يضم كلاً من سوريا وإيران وحزب الله... مع تهاوي مصداقية النظام الإيراني لدى الرأي العام يطرح على الساحة كماً من التساؤلات لعل أبرزها...ما هو السيناريو المرتقب والتداعيات المحتملة في ظل هذه الظروف الساخنة والمتوترة؟ وهل ستعيد إيران مسرحيتها البائسة والفاشلة وتبحث عن حليف جديد ومجاور يشاركها الأدوار الرخيصة؟ أخيراً هل من ربيعٍ عربي سيطال إيران؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة.