تواجه الأسرة البريطانية البسيطة اليوم أكبر أزمة في دخلها منذ (80 عاماً)؛ فأحدث الدراسات المالية المتخصصة هناك تقول إن (70 %) من البريطانيين غارقون في الديون، ويواجهون طلبات سداد البنوك والبطاقات الائتمانية بصمت..!
الدراسة صنفــــت (30 %) من البريطانيين المدينين بأنهم (غير مكترثين) للأمر، ويتجاهلون مشكلة (ديونهم) في بدايتها، ويؤجلون التعامل معها؛ فهم يجيدون (الهروب للأمام) لتناسي هذه الأزمة؛ ليزداد قلقهم لاحقاً، وحين يتجاوز حجم دين الفرد (2000 جنيه إسترليني) يبدأ (واحد من بين كل ثمانية بريطانيين) بمحاولة الكسب السريع لمواجهة ديونه بالسقوط في براثن (القمار) وغيره؛ ما تسبب في زيادة مشاكلهم المالية من جديد، فيما (5 %) منهم يعودون لطلب قروض جديدة من أجل سداد القرض السابق، وبفوائد مركَّبة..!
طبعاً - للأسف - لا يوجد لدينا دراسات شبيهة ودقيقة توضح سلوك الاقتراض لدينا وكيفية التعامل معه، قد تكون الدراسات لا تعدو رصداً (غير دقيق) بسبب كشف البيانات المالية عند طلب (الاقتراض من البنوك) لمعرفة الذمة المالية أو التاريخ المالي للشخص من خلال بيانات توضح إذا ما كان مطلوباً مالياً ومدى جاهزية موقفة المالي لقرض جديد.
أما طريقة وكيفية مواجهة المواطن السعودي (لديونه الشخصية)، وما هو سلوكه عند تفاقم هذا الخطر المالي، وكيفية تأثيره في مجتمعنا نفسياً واجتماعياً وسلوكياً فلا أرقام دقيقة، بل مجرد تنظير ونصائح مبهمة لمخاطر الديون.. لا أكثر!
حقيقة، أستغرب عدم الإبحار في هذه القضية ودراستها من جوانبها المتعددة وبشكل عميق، يساعد في بناء الخطط الاستراتيجية للأُسَر وللمنظمات المالية، وبشكل مستقل لا يخدم مصالح جهة معينة ويتجاهل مصالح المجتمع.
وهنا أعتقد أن البنوك والمصارف المالية الأجدر بتمويل مثل هذه الدراسات؛ (لأنها المستفيد الأكبر) من توضيح سلوك المقترضين بشكل دقيق و(بلغة الأرقام) التي تعري الحقائق وتوضح الصورة بشكل جلي (لمتخذ القرار)؛ فهي شريك رئيس في تقديم وتسهيل الخدمة للمقترض، ويجب أيضاً أن تفكر في بحث حال المقترضين ومعرفة أسباب تعثرهم وما هي خططهم المستقبلية للسداد، وما هو تأثير هذه القروض فيهم، وكشف سلوك المقترضين بعد الحصول على القرض؛ لأن هذا يصب في نهاية المطاف في ضمان سداد القروض بشكل ميسَّر وعدم ارتفاع نسبة المتعثرين..!
دراسات من هذا النوع (مهمة جداً)، تعكس لنا حقيقة قد يخجل البعض من ذكرها، وخصوصاً ما يتعلق بمواقفنا (المالية) نحن الأفراد، حيث يحجم البعض عن إيضاح أنه (مدين) لأسباب عديدة اجتماعية ونفسية وعائلية، وحينها تبدأ المشكلة بالتفاقم، يواجهها بطرق خاطئة وغير مدروسة أو مأمونة المخاطر عبر الهروب للأمام بطريقة المثل الشعبي الدارج (تلبيس طواقي)، بمعنى اللجوء لطلب قرض جديد لمواجهة القرض القديم (كمن يغسل الدم بالدم)..!
إن القيام بمثل هذه الدراسات هو في الحقيقة يحمي الدائنين والمدينين في الوقت نفسه، ويساعد كثيراً المتخصصين والقادرين في المجتمع للتدخل والبحث عن طرق للعلاج، كما يكشف الصورة جلياً لمعرفة بعض الظواهر التي قد تنتشر في المجتمع ولم تكن معروفة سابقاً.
إن تفاقم الديون ومواجهتها بصمت، وعدم دراسة وتحليل سلوكنا وطريقة تفكيرنا في كيفية سدادها، لا يؤثر في أشخاصنا فقط بل سيطول أسرنا ومجتمعنا بأسره بكل تأكيد من جراء خسارة فادحة تبدأ بقولنا: (معك سلف)..؟!
وعلى دروب الخير نلتقي.
fahd.jleid@mbc.net