|
كتب -محمد بن عبدالله العمري:
لم تكن مفاجأة لي ما سمعته من الرجل الأول في هيئة الطيران المدني صاحب السمو الأمير فهد بن عبدالله (الذي تلقيت من مكتب سموه اتصالاً برغبة هذا الرجل في أن نجتمع في مكتب سموه الكريم بعد نشري لعدد من المقالات بما يخص النقل الجوي والمعاناة التي يجدها الراكب للتنقل داخليا بين مناطق المملكة).. حديثنا امتد لأكثر من الساعتين، تبادلنا خلالها وجهات نظر متعددة، أطلعني سموه على أرقام مهمة وخطط متوقعة وتحديات (بعد أن أكد أنه لا يعترف بكلمة الصعوبات واستبدلها بالتحديات).
اعترف وبشكل جريء بأن قرار هيئة الطيران المدني السابق بالخطوط الإلزامية لشركتي «سما» و»ناس» ما كان له أن يكون (وهذه وربي شجاعة المسئول، فقد كان له بمكانته الاجتماعية والوظيفية أن يبرر لذلك الخطأ في القرار)، تطرق سموه إلى وجود تحديات حقيقية تواجه الشركات الوطنية في التشغيل الداخلي ويشترك في هذه التحديات وزارات وجهات متعددة من أهمها وزارة المالية.
ما زاد إعجابي برؤية هذا الرجل المخلص عندما أشار إلى أن ما طرحته في مقال لي في ديسمبر العام الماضي، الخاص بـ(من يعد استراتيجية النقل في المملكة)، قد فكر فيه ملياً، وقرر أن مجلس إدارة الهيئة الجديد سيشمل من له علاقة بالنقل ومن أهمهم وزارة النقل ووزارة التخطيط, مؤكداً أن المرحلة المقبلة ستشهد تغيراً في نمط التفكير لدى هيئة الطيران المدني, وتطويرا لحقوق المسافر وطلبات المواطن والتركيز على الخدمة لهذا المواطن في ظل ما تشهده جميع الجهات الحكومية من توجيهات ولي الأمر, بشرني سموه بما سيشهده النقل الجوي من تطور قريب بإذن الله.
اتفقنا على رؤى متعددة ولم نصل في بعض الأمور إلى اتفاق وطرح واحد، على الرغم من أن الرجل أبدى اهتماماً كبيراً بإيجاد حلول ومن أهم تلك الموضوعات التنقل السلس للراكب بين مدن المملكة, في الوقت الذي يحلم سموه بأن يبدأ لدينا عصر المطارات المجمعة في المملكة أو ما يسمى hub airports, كانت هناك رؤى تحتاج إلى قليل من الوقت لاتخاذ القرارات التصحيحية وكثير من الجهد والعمل, ومن ضمنها تطوير مطار الملك عبدالعزيز الذي يشرف عليه ويتابعه شخصياً بشكل مستمر، وتحدث عن هذا المطار بالأرقام وكأنه يقول للإعلام تريثوا فيما تطرحون نحو انتقاداتهم لتكاليف التطوير وقارنوا وتعاملوا مع الأرقام التي صدرت من جهات محايدة (زودني سموه الكريم بصورة من تلك المقارنات), لقد كان فيها بالفعل مفاجأة! فهذه التقارير تشير إلى أن تكلفته ستبلغ سبعة مليارات ومائتي مليون دولار، مقابل إنشاء المطار بمساحة صالة 670 ألف متر مربع، تخدم 30 مليون مسافر سنوياً، عن طريق 200 كاونتر و80 جهاز خدمة ذاتية، و46 بوابة متحركة (هذا بما يخص مطار الملك عبدالعزيز)، بينما صالة ميدفيلد في أبوظبي تكلفتها 6.8 مليار دولار بمساحة 630 ألف متر مربع و42 بوابة, والصالة الجديدة بالدوحة تكلفتها 11 مليار دولار بمساحة 510 آلاف متر مربع و40 بوابة و160 كاونتر, والصالة رقم خمسة بمطار هيثرو تكلفتها 7.6 مليار دولار بمساحة 507 آلاف متر مربع و40 بوابة و240 كاونتر, وصالة رقم 3 بمطار بكين بتكلفة 4.6 مليار دولار بمساحة 986 متر مربع و130 بوابة, وصالة أنشون في سيول 4 مليارات دولار بمساحة 496 ألف متر مربع و44 بوابة، والصالة 3 بمطار دبي افتتحت في 2008 بتكلفه 4.5 مليار دولار، و43 مليون مسافر، و26 بوابة و515 ألف متر مربع.
خرجت من مكتب سموه وأنا مقتنع -بإذن الله تعالى- بسلامة توجه سموه الكريم في تطوير النقل الجوي بصفة عامة والنقل الداخلي بصفة خاصة، إلا أنني وفي حقيقة الأمر كنت صريحاً مع سموه الكريم وأبديت عدم قناعتي بأن فتح مطارات المدن الداخلية للطيران الأجنبي خلال السنتين الماضيتين لم يخدم المواطن السعودي تماماً ودليلي أن نسبة مستخدمي هذه الرحلات الدولية هم العمالة الأجانب وبنسب تصل إلى أكثر من 90% وبالأسعار التي تحددها تلك الشركات غير الوطنية في الوقت الذي لم تساهم هذه الشركات في أي رحلة (داخلية داخلية) وتعمل من الداخل للخارج وبالتالي تضرر الاقتصاد السعودي على الرغم من أن سموه أكد أن تسيير الرحلات بين المطارات الداخلية هي سيادة وطنية، وكان رأيي الذي تقبله سموه بسعة صدر (كيف يكون المساهمة في تسيير رحلات بين مطارين داخليين لخدمة مسافرين داخليين سيادة وطنية، بينما تسيير رحلات دولية من مطار داخلي إلى مطار دولي لخدمة مسافر وعامل أجنبي وتهجير لجزء من اقتصاد الناقل الوطني ليس سيادة وطنية؟), أيضاً فقد تقبل بصدر رحب تساؤلي عندما أكدت لسموه عدم قناعة المواطن السعودي بألا يكون هناك رحلات ما بين أكبر مدينتين عسكريتين؛ تبوك والطائف، وكذلك معاناة أهل وسكان شرورة, وكذلك عدم وجود حركة جوية مباشرة بطائرات مناسبة بين مطارات المملكة المختلفة، على سبيل المثال لا الحصر بين جيزان وتبوك, وبين القصيم وحائل وأبها والجوف، ومن الطائف إلى بقية المناطق، وبين وبين وبين.. الخ، ويمكن أن نحور هذه التساؤلات بصيغة أخرى.. لماذا اضطر الناقل الوطني الخطوط السعودية لإلغاء كثير من الرحلات الداخلية التي زادت مؤخراً حسب المعلومات المتاحة لأكثر من 20 رحلة مباشرة داخلية؟ ويمكن أن تأتي الإجابة لهذه التساؤلات بأنه يمكن لمواطن القصيم مثلاً أن يسافر إلى جيزان (ترانزيت) عبر جدة أو الرياض، أو لمواطن تبوك أن يسافر إلى أبها عن طريق جدة أو الرياض... الخ, ولكن الإجابة الحقيقية أن الرحلات أساساً من مطار الترانزيت للنقطة الأخرى ممتلئة لفترات طويلة.
الخاتمة:
رجل بحجم فكر وعلم وإدارة فهد العبدالله يجب على وزارة المالية ووزارة النقل ووزارة التخطيط الاستماع إلى رؤيته والعمل على تفعيلها وفي نفس الوقت علينا أن نتذكر أن تسيير رحلة داخلية؛ سواء من قبل الخطوط السعودية أو «ناس» أو «سما» (ونحن نسمع أخباراً سارة عن عودتها) ستزيد من لحمة أبناء الوطن لدولتهم وحكومتهم، فلا يمكن أن نقارن بين تكاليف الرحلات الداخلية في أمريكا، وبين تكاليف الرحلات الداخلية في المملكة، فاقتصاد ودخل المواطن الأمريكي بعد حسم الضرائب أعلى بكثير من المواطن السعودي ومعدل المرتب يختلف كثيراً بل قد يصل إلى ثلاثة أضعاف مرتب السعودي، وتأتي أهمية هذا الموضوع لما يتميز به المجتمع السعودي من أواصر اجتماعية أكبر، ونحن لدينا ما يربطنا بأهمية توفر وسائل أداء العمرة في مكة، وبزيارة مدينة المصطفي، وبأهمية تطور السياحة الداخلية في الوقت الذي نجد أن وزارة الداخلية تعلن نسب حوادث مرورية مخيفة للتنقل بين مدن المملكة وكأعلى نسبة حوادث على مستوى العالم، ونحن أحوج في الوقت الحاضر إلى حماية مكتسبات هذا الوطن، ووصية المؤسس -رحمه الله- الملك عبدالعزيز أن الوطن هو لجميع أبناء هذا الوطن.
أخيراً أتساءل هل السعر له دور؟ هل الأسطول له دور؟ هل قيمة الوقود وتكاليف استئجار منصات الخدمة (الكاونترات) في المطارات وتكاليف الإقلاع والهبوط والمواقف لها دور؟ هل لوزارات المالية والتخطيط والنقل دور؟ هل غياب إستراتيجية موحدة للنقل بمحاوره الأربعة لها دور؟