يمر سيناريو ربيع سوريا للتخلص من الديكتاتورية العتيقة بمشقة بالغة؛ فبعد مرور عام على الثورة ما زالت الضحايا تشيَّع يومياً دون تخلخل في السلطة الحاكمة التي سقطت سياسياً وأخلاقياً! فليست هناك انشقاقات وزراء في الحكومة يمكن أن تضعفها أو تهزها مثلما حدثت ببعض الثورات العربية الأخرى سوى تفلت ثلة ضباط من قبضة السلطة، وبعضهم يلقى مصيراً غامضاً!
ما يحصل في سوريا أمر محير فعلاً! وكأنه يعبِّر عن انغلاق تام لأفق التغيير المنشود؛ فالسلطة تتجاهل مطالبات الشعب وحاجاته وحقه في الحرية والكرامة، ويظهر عجزها عن إجراء حوار وطني حقيقي، يمر عبر بوابة الموالين والمعارضين والمسالمين، وقبول اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم؛ ليمكن حقن الدماء والخروج من دائرة العنف، فحتى الآن لم يقدِّم النظام أي مشروع يعبِّر عن تحوُّل ديمقراطي حقيقي أو حزمة إصلاحات سياسية عميقة سوى ترديده تلك الأسطوانة المشروخة حول المؤامرة، بينما يقف الغرب متفرجاً ومنقسماً إلا ما يمكن أن يطلق عليه تدخلاً بطيئاً أو محبطاً، كما يقف العرب على بوابة التردد واختلاف المواقف؛ ما يزيد الحيرة، عدا مواقف الزعماء الحكماء ممن يحاولون دفع عجلة التوافق؛ لإدراكهم أن الخيار العسكري يمكن أن يكون الفتيل الذي يفجِّر منطقة الشرق الأوسط بأكملها.
والخوف ألا يسقط النظام الحاكم، بل يتقوض نسيج الوطن المتكامل من خلال حرب أهلية طاحنة، يقودها العنف والعنف المضاد والقمع والاعتقال وتدمير الممتلكات وتخريب المؤسسات وقطع الطرقات والقتل العشوائي، وذلك حينما يتم تسليح المعارضة؛ ليستفحل القتال بين أفراد الشعب والسلطة؛ فتعم الفوضى، وقد تتحول سوريا إلى دول مقسَّمة أو مدمَّرة أو منهكة، أو تنقلب إلى ساحة معركة للقوى الإقليمية حسب الكتالوج الغربي عبر الوعود بمستقبل اقتصادي وسياسي منسجم مع الخيار الغربي، بدلاً من خلع بشار الأسد وتنصيب حكومة وطنية تحافظ على سيادته، من خلال احتواء جميع الخيارات والإبقاء على الثوابت دون تشويهها بثقافة تحمل الرق والعبودية بدعوى الإنقاذ، فيكونون كمن هرب من الرمضاء للنار، والشواهد كثيرة.
وما يدعو للتشاؤم ظهور بوادر عدم التجانس بين كتلتين هما المجلس الوطني السوري المعارض وهيئة التنسيق الوطنية؛ ففي الوقت الذي ينادي فيه العقلاء لجمع الشمل تسعى مجموعات أخرى بتشكيل تيارات سياسية وفكرية تدعم وجهة نظرها؛ ما يؤدي لشق الصفوف وتكوين بنى موازية، وهو ما يوسع الشرخ بين القوى، ويزيد من أمد الحيرة! بينما تظل سوريا تنزف، والضحايا تتزايد يومياً.
والشعوب همُّها تحقيق الهدوء والسلام والأمان والعيش المسالم بعيداً عن طمع النظام، أو أطماع الفريق الآخر باستخدام القتل والتدمير والتخريب.
ولن يستقيم الوضع إلا بتسوية سياسية تنطلق من مبدأ الحفاظ على وحدة سوريا، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تعددية من خلال الاعتراف بالآخر، وقبل هذا وذاك وقف شلالات الدماء الطاهرة.
rogaia143@hotmail.comTwitter @rogaia_hwoiriny