يعتبر الراحل عبدالكريم الجهيمان حالة متفردة في الثقافة النجدية، فالجهيمان الراحل عن عمر جاوز المائة عام بعامين تفرد في إسهامه الثقافي عن أقرانه من بني جيله فهو رحمه الله قد ولد ونشأ أكثر حياته في إقليم نجد، ومعروف أن ثقافة ذلك الجيل ومن قبله لا تتعدى الفقه الحنبلي والشعر النبطي وبعض حكايات تروى في مجالس السمر وأكثر من دون في قراطيسه هم أهل الفقه على سبيل النسخ لمتون تعد هي العمدة في الفتوى والقضاء كزاد المستقنع، أما الشعر فكان من عصر المعلقات حتى ثلثي القرن محفوظ في أذهان الرواة كالراوية سعد ابن رويشد الذي نشر شعر ابن عثيمين - ت 1363هـ - مكتوبا عام 1375هـ بعد أن دخل عهد تدوين الشعر في إقليم نجد، وكذا المؤرخون والنسابة لا تكاد تجد من وثق ما يحكيه إلا نادراً كابن حميد - ت 1295هـ- في تراجمه السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة وابن بشر - ت 1288هـ - في تاريخه عنوان المجد في تاريخ نجد وهي في مجملها علوم تعني المثقف النجدي والباحث عن متعة الاستماع لما يروح عن النفس ويسلي الخاطر، فما هو التفرد الذي تميز به الراحل الجهيمان؟ إن المطلع على ما سطرت يد الجهيمان يشد انتباهه كتاب: من أساطيرنا الشعبية في قلب الجزيرة العربية.. الكتاب حكايا غالبها من اختلاق الخلق. ما يميز هذا الكتاب أنه يعكس صورة جلية ومبسطة عن الحياة في إقليم نجد في زمن يعود لمئات السنين يقف فيه القارئ على عادات وتقاليد البلد، وما يقدسون وما يستهجنون، يبين ما عليه حال معاشهم من فاقة وغنى وسقم، ويرتب البيوت بين أشرافها وأوضعها وما في أسواقها من حرف ومتاجر وسبيل إثبات العقود وعظم اليمين ومكانة المرأة وسكن الأسرة وطقوس الزواج والأهازيج وتوديع ركب الحجيج واستقبالهم، ولا ننسى أبرز الحكايا عن الفروسية وقطع الطريق والنهب والسلب التي كانت سمة تلك المرحلة في إقليم نجد وغيرها من صور الحياة العامة التي تكاد تندثر من ذاكرة القصاص جيلا بعد جيل، لهذا كان الأديب الراحل حالة متفردة في الثقافة النجدية حيث عمد إلى الاشتغال بعلم ثقافة الشعوب. علم لم يعرف - بضم الياء- به أحد في بلاد نجد لا في وقته ولا قبله أزال من خلاله الغشاوة عن ثقافة بلاد كانت قبل الدولة السعودية الثالثة على هامش التاريخ.