الزمن مهم في حياة الأشخاص والشعوب والدول، البعض منا يضل حبيس الماضي فهو كثيراً ما يكرر على مسامع من حوله قصص التاريخ وبطولات الأجداد ومثالية الجيل الراحل عن دنيا الناس ولا يعرف للحاضر خير !!، والبعض الآخر لا يفكر إلا في يومه الذي هو فيه «الحاضر» اقتصادياً وسياسياً وفكرياً و...!!، وهناك من الناس والدول من لا يعرف التاريخ، ولا يتنعم بالحاضر بل عينيه مفتوحتين على المستقبل، فلا تفكر إلا فيه ولا يهتم إلا له!، والنظرة الصحيحة هي في الربط بين هذه الأزمان، فالماضي يحتاج من الفرد وقادة الدول والشعوب إلى قراءة وتأمل وأخذ الدروس والعبر منه، والحاضر هو الأهم، فهو الزمن الذي أنت تعيشه حقيقة وما تدري عمّا بعده من أيام وأحوال، أما الغد فهو غيب قادم والأمر فيه لله وما تدري ما الله فاعل فيه، ومع ذلك واجب علينا أفراداً وشعوباً ودولاً أن يحظى الزمن/ الغيب إلى التخطيط والدراسة ودخول حيز التفكير خلاف ما يعتقده البعض من أن هذا واقع في دائرة المحرم إذ هو دخول فيما هو من علم الله وحده ولا يجوز القرب من حماه، استناداً إلى مثل قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَفَاتِحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. رواه البخاري.
إن مثل هذا التوجه المعارض للدراسة المستقبلية يتنافى مع الفطرة السليمة، ويتجافى مع النصوص الصحيحة في الشرع الحنيف، ولا يتفق مع ما يمليه العقل الصحيح على صاحبه، وما ورد من نص بأن الغد عند الله لا يتعارض بوجه من الوجوه بوجوب التخطيط سواء على مستوى الأفراد أو الدول ورسم الإستراتيجيات المستقبلية سواء القصيرة أو المتوسطة أو حتى الطويلة، وهذا من باب {... وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، (أعقلها وتوكل)، لكن المحذور والمنهي عنه التخوف الشديد من قادم الأيام، والتشاؤم من الأماكن والأزمان والأرقام حتى يصير الإنسان قلقاً ومتخوفاً تخوفاً يخرجه عن دائرة التوكل على الله توكلاً حقيقياً إلى الجزع والهلع والسوداوية .
إن منا وللأسف الشديد من يلازمه القلق المرضي من المستقبل فيفسد عليه حاضره ولا يخطط لمستقبله وربما انقلبت حياته إلى ضنك، فصار في بيته سبب شقاء وعنوان بلاء ورمز هلاك وفناء ..
أكتب هذا الكلام ونحن في أول أيام العام الميلادي الجديد 2012 وهناك أصوات عدة تخوف من أحداث قادمة وأزمات مستقبلية متعددة سيشهدها العالم في هذا العام، وعلى افتراض صحة هذا القول واحتمالية حدوث ما قيل لا سمح الله فإن من الحكمة عدم الوقوع في شباك القلق والحزن بل التشمير والعمل من أجل تجنب ما قد يقع.. نعم لقد ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث الفتن من الشرور والمحن الشيء الكثير ولكنه أمرنا بالعمل وعدم الركون إلى ما هو في رحم الغيب، وفرق بين النص المشرع والنص المخبر.
إن القلق الذي يخرج من مٌعاركة الحياة والضرب في الأرض مرض نفسي قد يقود إلى ترك العمل المنتج والإسراف على اللحظة بملاذ الدنيا، وربما أوقع البعض من الشباب في براثن المخدرات أو قد يسوقهم إلى الانتحار أو... وفي النهاية يصير هذا الإنسان القلق جزء من مشكلة وطنية ككرة الثلج المتدحرجة وربما تحول مع مرور الأيام إلى معول هدم بعد أن كان عنصراً فعالاً ويداً عاملة وعقلاً مفكراً ورقماً مهماً في ميادين التنمية الوطنية المستدامة.
إنني أحذر الأعزاء من مغبة الإفراط في متابعة الأحداث العالمية والعربية السياسية والاقتصادية والعسكرية، والقراءة الفردية لها، والتحليل الشخصي لمفاصلها بالدائرة السوداء في العين، إذ لا بد أن يكون أبيض العين الذي هو الأكثر مساحة والمحيط بالدائرة السوداء في عيوننا مفتوحاً هو الأخر و بشكل سليم وصحيح حتى تكون القراءة بإذن الله إلى التفاؤل أقرب منها للتشاؤم فيعيش الإنسان عيشة سعيدة مطمئنة، حفظ الله بلادنا وأدام عزنا وآمننا في دورنا ويسر أمورنا وجعل عواقبنا إلى خير ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.