يذكر دانيال غولمان منظر علم الذكاء العاطفي في كتابه القادة الجدد أن إحدى الشركات العملاقة عينت في أحد فروعها مديراً عاماً يتمتع بعبقرية فذة، وفي فترة وجيزة استطاع إحداث تغييرات إستراتيجية مذهلة ومع تلك الإنجازات فقد انهالت آلاف الشكاوى على مجلس الإدارة من الموظفين معترضين على تلك التغيرات، وبعد تشاور قررت بعدها الشركة فصل المدير من منصبه بعد سنة فقط من تعيينه والسر في هذا يعود إلى أنه بالفعل أحدث تغييرات ضرورية ومهمة في تلك الشركة، لكنه لم يستطع إقناع موظفيه بها، وعجز عن التأثير فيهم، ودفعهم إلى العمل والتفاعل معها.
إن أفكار وقرارات القادة الصائبة والناجحة وإستراتيجياتهم المميزة لا قيمة لها إذا لم ينجحوا في تحريك المشاعر وإقناع من حولهم بضرورة تطبيق هذه القرارات. إن القادة الحقيقيين هم أولئك الذين يحركوننا في الاتجاه الذي يريدونه، قد نقول عنهم: إنهم أصحاب رؤية واضحة وإستراتيجيات صائبة، لكن ذلك لا يكفي لجعلهم قادة، إن ما يجعلهم قادة هو قدرتهم على التحريك والتأثير، أي قدرتهم على التحكم في مشاعرنا والقائد الناجح هو من يتقن تعامله مع المشاعر، سواء أكانت مشاعره أم مشاعر الآخرين، فالناس في جملتهم لا يهتمون بمن لا يهتم بمشاعرهم والقائد الذي يستحق القيادة هو الذي يهتم بأتباعه.
وقائد الشركة الذي يثني على موظفيه إذا أحسنوا وينتقدهم بشكل بناء إذا أساؤوا ويدعمهم حينما يحتاجون إليه، ويشعر كل واحد منهم بأهميته، ويشعرهم بأنهم أحرار في اختيار أفضل الطرق لإنجاز عملهم تتسع دائرة تأثيره وينقل هذه الروح الإيجابية من التشجيع والنقد البناء والتعاون والمرونة والاحترام المتبادل إلى الموظفين المحيطين به وهكذا تنتشر هذه الإيجابية في دوائر متتالية حتى تشمل كل أفراد الشركة.
والاهتمام بالآخرين وبمشاعرهم هذا لا يعني بالطبع أن يكون القائد متساهلاً لطيفاً طوال الوقت، فقد تواجهه مشكلات تتطلب شيئاً من الحزم والصلابة لكي يدفع الموظفين إلى مزيد من الانتباه والحذر لكن هذا التوتر أو الغضب يجب أن لايكون أمراً دائماً، أما عندما يصبح التوتر والانفعال مزاجاً ملازماً للقائد فإن تأثيره سينتقل وينتشر في الشركة كالوباء بل وسيسمم العلاقات بين منسوبيها.