المسرحية الثانية التي شاهدتها خلال عروض مسرح الأمانة كانت بعنوان (صامولي) تأليف محمد السحيمي وإخراج صالح العلياني.. المسرحية كان موضوعها أزمة المبدع عندما يكون ضحية للمخالفين له، ورغم صعوبة تناول النص لأن الكاتب طرحه بأسلوبه المعتاد (الصعب الممتنع) المليء بالرمز والمغلف بالحرز الذي يحتاج إلى من يعرف
كلمة السر ليفتح باب الكنز! إلا ان المخرج قام بعملية اقتحام موفقة ففكك وخفف النص ليقدم سهرة مسرحية تناغم فيها الفكر والترفيه، فكان الجمهور في حركة دائمة من خلال تفاعله مع العرض، ففي أوقات يقترب منه العرض المسرحي وأوقات أخرى يبتعد العرض وتعلو لغته وفكرته فيقترب منه الجمهور! ورغم عمق الموضوع الذي بدا أنه كتب من وحي التجارب الواقعية التي يمكن تعميمها متى ما غابت الشفافية وسيادة القوانين وبرزت سطوة شهوة الانتقام وتحويل القضايا العامة إلى قضايا شخصية! إلا ان المخرج والفنانين الرائعين نايف خلف ومحمد القس استطاعا ان يجعلا من عرض فكري عميق المعنى عرضاً كوميدياً جماهيرياً! يؤكد نايف خلف أنه ممثل مسرحي مبدع بامتياز يستولي على خشبة المسرح ويثير انفعالات الجمهور، وأيضاً يجعلهم يمارسون الصمت الإيجابي رغم شقاوتهم! بالنسبة لي كان محمد القس مفاجأة.. بحضوره القوي وأدائه المقنع.. المخرج صالح العلياني مارس هوايته في الإبداع.. تألق كثيراً خاصة عندما جسد كمخرج زعيم (اشانيا)، حيث ظهر لنا رجل بثلاثة رؤوس بشرية، وأولئك البشر الذين يسكنون الظلام وما يشبه الخرائب أو الكهوف المحاطة ببيوت العنكبوت! قدم عرضاً سلساً تواصل معه الجمهور استخدم قطعا بسيطة من الديكور ولكنها كانت داعمة للعرض وموحية!! ساعده باسل الهلالي بسينوقرافيا أضافت الكثر وهو من أهم الأشخاص المتخصصين في هذا المجال، صالح ونايف مسرحيان مشكلتهما انهما يبخلان على المسرح بإبداعهما إلا في مثل هذه المناسبات، هلّ علينا في كل عام أن ننتظر مطر المسرح القادم من سماء الأمانة لنتفرج على مسرح اجتماعي يعيد الجمهور إلى المسرح بعد إن ابتلينا بالمسرح المعد للتصدير أو المسرح المعوق الذي يسقط الجمهور من حساباته، ويستغل ميزانيات المسرح ليقدم عروضا منفرة! في الجزء الأول من هذا المقال كتبت عن مسرحية (شلة الفيس)، ورغم اختلاف أسلوب العرضين إلا أنهما يجتمعان في مسألة مهمة وهي خلوهما من الإسفاف والتهريج والإيحاءات المقززة والمحرجة التي ابتليت بها بعض العروض المسرحية مؤخراً فبعض الممثلين عندما يعجز عن شد انتباه الجمهور عن طريق مخاطبة عقولهم يذهب إلى غرائزهم، ليتحول المسرح من عامل بناء إلى هدم! لذا أقدم التحية لفريق المسرحيتين لاحترامهما للمسرح وللجمهور وأشكر لجنة المسرح بالأمانة التي استطاعت هذا العام أن تفرض الرقابة (المشددة) و(اللصيقة)! لنشاهد عروضا مسرحيةلا نخرج قبل نهايتها، بل نتمنى لو أنها استمرت لوقت أطول!
alhoshanei@hotmail.com