أثار بي كتاب « هوامش ثقافية» لسعد الله ونوس الشجن وصراعات داخل نفسي حول مفهوم الثقافة ومعاييرها ودور المثقف في مجتمعه، كذلك تناول فكرة الثقافة والممارسة وقد تناول في كتابه هذا نماذج مختلفة لأدباء عالميين تركوا أثرا بارزا في المشهد الثقافي العالمي وقد التقاهم وكتب عن أفكارهم وبعض حواراته معهم.
كان من أبرز شخوص الكتاب جان جنيه، الذي ولد عام 1910 في دار للأيتام ثم انتقل للعيش مع إحدى الأسر، واتهم بالسرقة في طفولته وحين سئل هل تعرف ثمن الكتاب الذي سرقته قال بل أعرف قيمته وجنيه يعد من أكبر مناصري القضية الفلسطينية، وقد قال عنه سعد ونوس: بأنه عقل متوقد لا يكف عن تأمل ذاته وتأمل العالم من حوله، وهو كما يقول عنه « كلود بونفوا» لا يبحث عن حل التناقضات بل على العكس، إنه يؤكدها ويستمتع بها.
في «هوامش ثقافية» الذي قدمه فيصل دراج قائلا إن نقد ونوس لبعض وجوه منظوره الثقافي في السبعينات يهدف إلى تصحيح المنظور وتخليصه من الأوهام، وجعله أكثر وضوحا وحدة، وقد كان ذلك المنظور يعتبر الثقافة شأنا عاما لا ملكية خاصة.
ويتابع دراج بأن هذه الثقافة تسائل الهموم المجتمعية في أبعادها الحقيقية، وترى في المثقف مسؤولا عن كرامة العقل والإنسان والأوطان، وإن الكاتب يؤمن كما نؤمن تماما بأن حياة الكلمة في حياة العقول القارئة.
سعد الله ونوس أشار بان المثقفين في الماضي كانوا مدغمون بالمجتمع يوجهون حركته، ويرسمون آثار تطوره ونمائه وإن النشاط الفكري في حقيقته ممارسة يومية فالفكر فعل، وبين المفكر والمواطن تفاعل وتجاذب.
هذا يضع أمامنا السؤال التالي الذي تناولته إحدى فصول الكتاب: من هو الأديب العربي؟ وإلى أي حد نستطيع أن نقول إن أمتنا العربية استطاعت أن تجد في واحد أو أكثر من أدبائها من استطاع أن يعكس في نتاجه تمثله لواقعها القوميّ في التاريخ المعاصر، وأن يعبر في التالي عن مطامحها ورؤاها للمستقبل؟
والسؤال ذاته التي وضعه الكتاب بين يدي قارئه : هل يمكننا القول بوجود أديب عربي كما نقول بوجود أديب روسي أو فرنسي؟
ثم يستطرد ونـّوس في فصول كتابه ليسلط الضوء على الهرم الروائي نجيب محفوظ الذي استطاع أن يكون علامة بارزة من علامات الأدب العربي المعاصر، حيث كان عنوانا للأصالة والإخلاص في رصد الواقع الاجتماعي وتحولاته حيث عمل بعيدا عن الأضواء والضجة وأعرض عن المغريات التي انساق لها أدباء آخرون وهو بعد هذا القول يدين نجيب محفوظ الذي طلب بدوره عدم الالتفات لما يفعله الكاتب والاكتفاء عليه من خلال مؤلفاته الأدبية فحسب!
اليوم ونحن بأمس الحاجة لنماذج من أدباء يعملون لأجل مجتمعاتهم وأوطانهم والإنسان هل نجد من هم كذلك في زمن أصبح فيه الأديب صوت نفسه ونزواته بعيدا عما وجد لأن يكون له؟
متى يستطيع الأديب العربي ألا يناقض في حياته اليومية أدبه والقيم التي يبشر بها ولا سيما إذا كان التناقض في ميدانه الثقافي؟
كل هذه الأسئلة أضعها بين أيديكم أيها الأدباء.. وأنتم قرائي الكرام وسأنتظر الإجابات بشوق.
من آخر البحر
بعد رحيلك
ابتعت قلبا ماسيا أعلقه على صدري
بدلا من قلبي الذي أخذته معك
mysoonabubaker@yahoo.com