كم مرة قالت حكومات الدول الغربية الأميركية والأوروبية عبر تصاريح مسؤوليها السياسيين، وأخبار مؤسساتها الإعلامية، إن السلطة الفلسطينية التي تشكلت على خلفية اتفاقية أوسلو السرية عام 1993م، إنها الشريك الرئيس للسلام والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وكم مرة مارست الإدارة الأميركية بكل حكوماتها المتعاقبة، وكذلك الحكومات الأوروبية ضغوطاً على السلطة الفلسطينية كي تتنازل عن أبرز الحقوق الفلسطينية لأجل أن يمضي قطار السلام إلى محطة التسوية النهائية، رغم كل المعوقات التي يضعها الإسرائيليون في طريقه على قضبان المفاوضات، فكانت التنازلات تلو التنازلات، التي أدت إلى الاحتراب الداخلي بين الفلسطينيين بين فريقي المقاومة والتفاوض. بل كم مرة وقف الغرب مع الجلاد ضد الضحية بحجة دفاع إسرائيل عن نفسها مقابل إرهاب الطفل الفلسطيني؟ فكانت الحروب العدوانية والاغتيالات السياسية والحصار الاقتصادي على أهلنا في فلسطين، مع ذلك تحملت السلطة الفلسطينية الأعمال الإسرائيلية والضغوط الغربية ومضت في طريق التفاوض، على أمل أن يشرق السلام وتتحول سلطة الحكم الذاتي إلى دولة فعلية.
لكن تنازلات السلطة في مفاوضات السلام جاءت بشكل سلبي عبر سنوات الضياع، فبدل أن تشجع إسرائيل على التقدم الحقيقي نحو السلام العادل، فإذا بها تتأكد بشكل فعلي أن سياسة الأمر الواقع ناجحة في إرغام الفلسطينيين على قبول كل شروطها وبالذات ما يتعلق بالملفات الكبرى (الحدود وحق العودة واللاجئين والقدس والمستوطنات)، خاصةً في ظل الدعم الغربي غير المحدود، فكانت النتيجة فشل عملية السلام برمتها، خصوصاً أن إسرائيل ماضية في تهويد القدس عن طريق بناء المستوطنات، سواءً سرقة الأراضي الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين وهدم بيوتهم.
ولأن الفلسطينيين ليس لديهم ما يخسرونه بعد أن تحول السلام إلى أوهام، فقد أعلنوا الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر الجاري ومخاطبة كل العالم طلباً للاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود عام 1967م وعاصمتها القدس، إلا أن الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي ليس مع هذا التوجه بحجة الرفض الإسرائيلي المبني على إدعاء أن هذا الاعتراف ضد عملية السلام ويهدد بنسف اتفاقياتها، بل إن الإدارة الأميركية تطلق حملة لمنع هذا الاعتراف، وهكذا يبدو الغرب في حقيقته البشعة، فلقد ورط السلطة الفلسطينية بعملية التسوية منذ مؤتمر مدريد عام 1991م، والآن يخونها بعدم الاعتراف بدولتها ويحرجها أمام العالم! رغم أنه يدعي رعاية السلام، وهو العارف بأن مصدر المشاكل هي إسرائيل، وأن السلطة الفلسطينية تعاونت كثيراً وتنازلت مراراً لدرجة الاتهام بالعمالة في سبيل الخروج بدولة أو كيان. ما يعني أن الغرب لم يكن نزيهاً في دور الوسيط، إنما شريك حقيقي لإسرائيل في التهام أرض فلسطين وتضييع كل الحقوق العربية.
kanaan999@hotmail.com