ما زلنا، وفي كل عام يتكرر لنا سيناريو رؤية هلال شهر رمضان المبارك دخولا وخروجا، وحديث وحسابات الفلكيين, وقليل جدا نجد الاتفاق بينهم؛ مما يستلزم علينا إعادة النظر فيهما جميعا ومناقشة هذه القضية بمزيد من المكاشفة والوضوح، ولعلي أطرح بعض النقاط حول هذا الموضوع وما يقترب منه:
الأولى: تعجب من قبول علم الفلك والحساب في اعتماد تقويم السنة كتقويم أم القرى وما يترتب عليه من دخول لجميع أوقات الصلوات وصيام أيام البيض من كل شهر وشروق الشمس بل سمعنا العديد من الفتاوى من الجهات المختصة التي تقطع الشك بذلك وتعاقبت الأمة على قبوله والعمل به, وفي مقابل ذلك لا نجد أي اهتمام بهذا العلم في دخول شهر رمضان وخروجه!.
الثاني: عرف بين الناس أن فلانا وفلانا من أهل تلك المنطقة أو الأخرى برؤية الهلال بل توارثها بعضهم كتوارث السقيا وكسوة الكعبة, وعند التحميص أتساءل:
هل هؤلاء أخذوها على علم معتمد؟
هل تم اختبارهم بشكل علمي عن رؤيتهم؟
كيف تتم رؤيتهم وأين؟
ما مدى قدرتهم (طبيا) على النظر؟
ماذا يريد هؤلاء؟
من يزكيهم شرعا بصدقهم وأمانتهم ومعرفتهم؟
هذه الأسئلة وغيرها ستفتح مزيدا من الآفاق في احترامهم وتصديقهم.
الثالث: اختلاف علماء الفلك المستمر في حساباتهم ليس في ولادة الهلال فحسب بل في دخول النجوم والمواسم وغيرها يجعلنا نعيد النظر فيهم جميعا من حيث مستواهم العلمي وقدرتهم التطبيقية وصحة معلوماتهم وسلامة أدواتهم وخطواتهم, وهنا يلزم على الجهات المختصة تقويم هؤلاء ومتابعة تصريحاتهم الإعلامية ومدى صحتها ثم التعرف على تأهيلهم العلمي وإجراء اختبارات لهم تحدد قدرتهم ودرايتهم فلا يكفي انتماؤه إلى جامعة أو حصولهم على شهادة.
الرابع: من الضروري إعادة تكوين لجان (مشتركة) تعمل طوال العام بعد التمحيص السابق على الطرفين وتختار الأوثق منها (وهم قليل) وتقوم هذه اللجان برصد جميع الشهور مع أصحاب الرؤية ويتم مراجعة حسابات الفلكيين ومدى تطابقها من عدمها مع الرؤية.
الخامس: المحكمة العليا وجهاز القضاء ليست مهمته فقط بيان طلب الرؤيا أو الإعلان عن الدخول والخروج, بل الأولى دراسة هذه القضية ووضع الحلول واللجان والمتابعات المتخصصة والعملية والمفيدة لهذا الموضوع.
السادس: أقترح أن يخصص كرسي بحثي مختص بالرؤية الشرعية للقمر وما يتبع ذلك من مسائل ويجدر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية المبادرة لمثل هذه الكراسي البحثية التي تدور في تخصصها واهتمامها أو غيرها من جامعات المملكة.
السابع: إيقاف ألسنة المتشككين من الطرفين في صوم الناس أو عيدهم وقطع ما يثير الفتنة والالتباس على عامة الناس لأن ليس لهم حول ولا قوة.
الثامن: كان لخادم الحرمين الشريفين موقف مشرف مع الفتوى الشرعية فأصدر بيانا وقرارا لضبطها نفع الله به, وكم أتمنى من ولي أمرنا -وفقه الله- الالتفاتة إلى ضبط هذا الموضوع لما له من علاقة بالأمة الإسلامية ويعكس عنا وعن بلدنا وديننا الكثير والكثير من المعاني, وربما يسيء بعض المتعالمين أو الجهلة في هذا المجال كما أساؤوا في مجال الفتوى وجروا الأمة إلى الويلات والتفرقة والجهل والغلو والتطرف.
أخيراً: لن يكون هناك تعارض بين حسابات الفلكيين الصحيحة وبين الرؤية الشرعية الموثوقة وكل الذي نحتاجه مزيدا من التنظيم والضبط وكل عام وأنتم بخير.
وأسأل الله أن يوفق الجميع لخدمة وطنه وولاة أمره والله يرعاكم.
(*) إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح