عادت إلينا أيام العيد ببهجتها الوارفة وساعاتها المزهرة, فيضاً من الود والتصافي وجداول من التراحم والتراضي بين الكبار وبين من طافت بينهم زوابع الظنون والشحناء, وبين من جاس في ديارهم ودروبهم خناس وسواس من الجن أو الأنس فعكر صفو صحبتهم ورفقتهم, أما الأطفال فالطهر هم, والبسمة الشهية كإشراقة العيد, يفتحون للكبار آفاقاً ونوافذ مضيئة تدعوهم للتصافي, يزرعون للآباء والإخوة الكبار مساحات خضراء مورقة زاخرة بأروع ألوان الورود وأطيبها شذى, يضمخون الدروب ندى عذباً يطري القلوب والأيدي المتصافحة علها تؤوب لسالف عهدها نقاءً ووداً, الأطفال بهجة الحياة دائماً وهم ألقها وسحرها صباحات العيد ونهاراته, أما الأمسيات فلا تكمل دون مرحهم العذب, كلنا نفرح بالعيد ولو بنسب متفاوتة غير أن الفرحة لابد أن تكون حاضرة, وإن لم نعشها كاملة فإننا نتماهى مع المحيط الذي يعبّ من أنفاس عطرة وبريق أقحوانه وفله, وللشعراء أجواؤهم ومشاعرهم مع إطلالة العيد, تخيلتهم بين سعيد جداً وآخر أقل جذلاً, فالشعراء يحملون بين أضلعهم خوافق رهيفة الإحساس, سريعة التأثر, نبضها متذبذب تلاعبه الكلمة الرقيقة وتجثو عليه وتخنقه أدنى كلمة تندّ عن حدود الذوق, رحت أبحث عن نوادر الشعراء التي نثروها مع رياحين العيد, فوجدت الشاعر الدكتور عبد الرحمن الأهدل قد قال:
أهلا وسهلاً بعيد الفطر من كملت
فيه المحاسن من أُنس وإيناس
فاستقبلوا عيدكم بالبشر وابتهجوا
فليس في العيد غصن غير مياس
وللشاعر محمد الأسمر في العيد:
أيامه موسم للخير تزرعه
وعند ربي يخبئ المرء ما زرعا
واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم
بدراً رآه ظلام الليل فانقشعا
نعم، إنه موسم خصب لمن يغتنمه في بوادر الخير ويختزن عند مولاه الأجر والثواب، ومن ذاك مواساة ذوي الحاجات وتبديد الظلام والكآبة والحزن عن قلوبهم وعيونهم وأحاسيسهم، وأن نشاركهم فرحة العيد لنكون في لياليهم الحالكة أنوارا وأقمارا تبدد جهامة الظلام ليحل النور والأمل.
نعم، حتى الفقراء ينتظرون منا صبيحة العيد يداً ندية غادقة تمتد إليهم بما يعينهم على التحليق فرحاً بالعيد, يقول الشاعر الجنبلاطي:
طاف البشير بنا مذ أقبل العيد
البشر مرتقب والبذل محمود
يا عيد كل فقير هزَّ راحته
شوقاً وكل غني هزّه الجود
ما أجمل هذه المعاني التي تحمل رسالة موجزةً لمن أراد أن يتذكر ويتبصر، كما يؤكد على ذلك الشاعر يحيى حسين توفيق، إذ قال:
يا ليلة العيد كم في العيد من عبر
لمن أراد رشاد العقل والبشر
وللمتنبي نهجه الفلسفي وبهرجته الشعرية الرائعة، فقد قال يهنئ سيف الدولة بالعيد ويمدحه:
فذا اليوم مثلك في الورى
كما كنت فيهم أوحداً كان أوحدا
هو الجد حتى تَفْضُل العين أختها
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
وأخيراً أنقل ما جاء في رسالة معايدة سابقة وردتني من صاحب القلم الرصين اللطيف الدكتور إبراهيم التركي العمرو:
عيد يؤوب بألفاظ مكررة
في كل عام كأن العيد ترديد
ماذا سيحدث لو جئنا نصافحكم
لنعزف الشوق لحنا شدوه عيد.