لا نضيف شيئاً جديداً بالتأكيد على أن الفلسطيني لا قضية له سوى قضيته، وأنه لا يحق له أن ينحاز لطرف عربي أو غير عربي على حساب طرف آخر. فالفلسطينيون لا وقت عندهم ليمارسوا ترف الآخرين الذين يمارسون عبث اللعب بالسياسة كما نشاهد من كثير من الجماعات والأحزاب العربية، التي ما هي إلا دكاكين وواجهات سياسية لأنظمة تعمل على التوسع ومد مناطق النفوذ على حساب مصالح الشعوب. هذا الترف انتقل للفلسطينيين بالعدوى، أو بصريح العبارة انتقل بالمصلحة والسعي للتكسب، وبدلاً من أن تكون الأحزاب دكاكين لأنظمة عربية وإسلامية أُنشئت فصائل فلسطينية لا يخجل أمناؤها العامون من إعلان ولائهم لأنظمة أخرى والعمل بتوجيهاتها، مع الحرص على زيارات عواصم دول تلك الأنظمة إن لم يكونوا أصلاً يقيمون فيها. وهكذا توزّع الفلسطينيون إلى «فصائل وشِيَع»، وأصبح لكل نظام عربي دكان سياسي فلسطيني تعلوه واجهة تُظهر بوضوح ارتباطه بأحد الأنظمة، وكان يمكن أن يتجاوز الفلسطينيون هذه الحالة الشاذة، إلا أن الأمر تطوَّر إلى حالة أخطر، فمثل كل التحركات الانحرافية لا بد أن تولِّد انحرافاً أكبر، وصداماً أعمق؛ فقد أدى جَري بعض الفصائل الفلسطينية خلف بعض الأنظمة العربية إلى التورط في معارك الأنظمة بعضها مع بعض، وحتى مع شعوبها، مثلما حصل قبل أيام في مخيم اليرموك في دمشق؛ حيث تقاتل الفلسطينيون في المعسكر، منقسمين إلى جماعة القيادة العامة لجبهة تحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل وجماعة فلسطينية أخرى غاضبة من موقف أحمد جبريل في تأييده للنظام في سوريا. الحصيلة الأولى مقتل 12 فلسطينياً على أيدٍ فلسطينية ومعهم مئات الجرحى، وهناك جولة أخرى من الصدام والاقتتال الفلسطيني في المخيمات الموجودة في سوريا وحتى في لبنان؛ فكل طرف ينتظر أن يحسم مَنْ يناصره الوضع لصالحه في سوريا؛ ليحسم هو الآخر الوضع لصالحه؛ فيجري تطهير الفلسطينيين بعضهم لبعض ضمن مأساة وملهاة الانشغال في قضايا الآخرين ونسيان القضية الأساسية وهي قضية تحرير فلسطين، التي يجب ألا ينشغل الفلسطينيون بقضية غيرها.