لكل مكان عبقه وأريجه، ولكل ضيف هيبته وحضوره، ولكل شخصية بصمتها ونكهتها.
والمكان هو المدينة المنورة مدينة النور والإشراق، وفيها الجامعة الإسلامية العريقة الحديثة مركز الإشعاع المعرفي، والضيف هو صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وحاكمها وكفى، والشخصية هي مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن علي العقلاء.
حضر سمو الأمير سلمان ليلقي محاضرته في الجامعة الإسلامية وسط مشاهدة واستماع حضور كثيف وعدد كبير من المشايخ والمثقفين قد لا يتوفر في بقية الجامعات! وكان سموه خفيفاً على النفوس مؤنساً للقلوب فاختصر ما يريد موصياً بقراءة المحاضرة في وقت لاحق، تاركاً مساحة للمناقشة والحوار حولها، فاتحاً قلبه وحواسه للأسئلة.
وكان ترحيب الجامعة بسمو الأمير وصحبه الكرام مختلفاً واستثنائياً، حيث اعتمدت على طلبتها في طريقة الترحيب. فحين تقدم الطالب السنغالي مرتدياً زيه الوطني التقليدي لم يكن يتحدث بلغته الأم ولا اللغة العربية المكسرة وهو معذور لو فعل! بل انبرى يلقي قصيدة جميلة، بل بارعة الجمال شدت انتباه سمو الأمير والضيوف، وسلبت الألباب فصفق الجميع بصدق واندفاع. ولم يصفقوا لقصيدة الطالب فحسب؛ بل صفقوا للثقة التي تدعم أركان هذا الرجل الأسمر الغريب لدرجة الاستغراب! وهللوا لبراعته وأسلوبه الأخّاذ. وتلاه طالب نيجيري مفوّه تحدث كثيراً عن فضل بلادنا على المسلمين وعلى نشر الإسلام والسلام، وطلب من الأمير التوقف عن إيفاد السفراء للدول الأخرى وما يترتب عليه من تكاليف، والاكتفاء بإسناد المهمة لخريجي الجامعة الإسلامية ليعملوا سفراء لبلادنا في بلادهم حيث يحملون الحس الوطني المغلف بالغبطة والامتنان لهذا البلد الكريم الذي يعاملهم كأبنائه من تدريس وسكن وإعاشة ورفاهية، وتجري في عروقهم دماء الإحسان والتعامل الراقي والتقدير لهم من لدن هذا البلد الكريم لهم، وتنحني أضلاعهم على محبته. ولم يكتف الطالب الشجاع بذلك بل تدلل على أمير الرياض بأن يعيد زيارته للمدينة المنورة ويلتقي بطلاب الجامعة، حيث بقي مائة وستة وخمسون طالباً من جميع جنسيات العالم يودون الترحيب بالأمير ذي التميز الشخصي المألوف، وبث مشاعرهم نحوه بطريقتهم الخاصة.
والواقع أن المرء ليعجب كيف استطاعت الجامعة الإسلامية أن تمنح الطلاب هذه الجرأة والإقدام؟! بل كيف غرست الثقة في نفوسهم ليقابلوا ضيوفها ويتحدثوا باسمها بلغة الشعر تارة ولغة الحب تارات. والإقدام ليس هز السيوف والتلويح بها ودخول غمار المعارك، فالكلمة سلاح، والثقة آسرة، والإقدام خطف للب.
ولئن نجحت الجامعة الإسلامية في غرس مشاعر الحب والولاء لهذا الوطن في نفوس هؤلاء الطلاب المغتربين فهو نجاح يُحسب للجامعة التي لا تغيب عنها الشمس حقاً.
وتحية للجامعة الإسلامية بعد تحولها من جامعة مغمورة تكتفي بتدريس طلاب المنح والبعثات من عدد محدود من البلدان إلى جامعة ذات إشعاع علمي تدرِّس العلوم الشرعية والعلوم التطبيقية على حد سواء لإيمانها أن المسلم القوي ليس صاحب كتاب وفقه وحديث فحسب؛ بل لا بد أن تساندها علوم طبية وهندسية ليتخرج الطالب وقد حصل على علوم الدين والدنيا مع ثقة في النفس وتطوير للذات ورقي معرفي واندفاع نحو العطاء.
فأنعم بها من جامعة، جامعة!