يتفق الكاتب مع جميع العاقلين الذين يرون أن أمور الإصلاح تأتي بالنصح، والمناصحة، والحوار مع بعض من بيدهم الأمر في هذه البلاد، وليس بالتهييج والدعوة للاضطرابات. ومن هذا المنطلق فالكاتب يود طرح موضوع يهم القطاع الأكبر من المواطنين، ألا وهو تحسين سعر العملة الوطنية.
بما يعكس الوضع الاقتصادي «المتين» لدينا، وبما يحسّن مستوى معيشة المواطن الذي يراوح مكانه منذ ردح من الزمن، بسبب الغلاء، وهبوط قيمة العملة.
خادم الحرمين الشريفين، أطال الله عمره، أمر برفع الفقر عن الفقراء، وخص الطبقة الوسطى ببدل غلاء، أصبح اليوم جزءًا من الرواتب الحكومية، وقد أصدر كثيرًا من التوجيهات التي تصب في مصلحة المواطن. ولكن الواضح أن الأسعار ترتفع بوتيرة أسرع من القرارات الحكومية. وبعض مما يجد المواطن نفسه فيه من غلاءٍ ومن ضيق ذات اليد مرده ليس لارتفاع الأسعار، وثبات الرواتب، بل لفقدان الريال السعودي لما يزيد عن خمسين في المئة من قيمته لارتباطه بالدولار. وهذا الأمر يلحظه المواطن بجلاء عندما يسافر للخارج أيضاً.
فالحكومة الأمريكية، نتيجة لديونها الضخمة، ومتاعبها الاقتصادية الجمة، وحالة الركود شبه الدائم في اقتصادها، تتّبع سياسة نقدية متعمدة محورها خفض الدولار لدفع ديونها الفلكية المتراكمة بقيمة فعلية أقل، ولإنعاش الاقتصاد المحلي بضخ النقد فيه، ولزيادة تنافسية اقتصادها المتردي في الخارج. وهي لذلك مستمرة في طباعة مئات المليارات من الدولارات دون أي تغطية سواء نقدية أو اقتصادية. فما هي الأسباب الحقيقية التي تجعلنا نخفض عملتنا بالطرق ذاتها، بتثبيت سعر صرفها مع عملة منهارة؟ ألدينا أزمة اقتصادية لا نعرفها؟ هل اقتصادنا يعتمد بشكل أساسي على التصدير، وليس على النفط بشكل أساسي؟ ألا يوجد لدينا مدخرات ضخمة بالدولار وغيره من الأصول؟
الإجابة على هذه الأسئلة لا تأتي شافية ولا كافية في مؤتمراتنا النقدية والاقتصادية. نعم هناك فوائد من ربط الريال بالدولار، لعل من أهمها تسهيل حسابات الأمور المالية والنقدية للدخل والإنفاق، بحيث تعاد طباعة السياسات النقدية كل سنة كما سابقتها مثل إعادة النشرة الجوية لبعض مناطق المملكة في الصيف. وكانت هذه السياسة ناجعة عندما كان الدولار يهبط تارة ويصعد أخرى، أما وقد أخذ الدولار يتهاوى بشكل مستمر فاقداً أكثر من نصف قيمته، ولا يوجد في الأفق أي أمل له بالصعود في اقتصاد متهالك مديون، فقد يكون الأمر غير ذلك.
سمعت في أكثر من مناسبة بعض مسئولي وزارة المالية، ومؤسسة النقد، وهم أناس بلا شك أكفاء ويعرفون عما يتكلمون، يزجون الثناء على أدائهم، وبأنهم بكل حنكة جنبوا البلاد شرور الأزمة المالية العالمية، وهو ثناء قد يكون مستحقاً بشكل أكبر لو كنا في الحقيقة طرفًا في الواقع الذي خلق الأزمة. لكن الجميع يعرف أن معظم، إن لم يكن جميع مدخراتنا في الخارج، هي إما في سندات خزينة، أو حسابات راكدة مضمونة الأصول، أي غير مستثمرة وبعيدة بطبيعة تكوينها عن جميع المخاطر الاستثمارية، فكيف تطالها الأزمة؟ كما أن القاصي والداني يعرف أننا كنا من أكثر المستفيدين من المضاربة على أسعار النفط التي ألهبتها الصناديق السيادية فرفعت النفط لمتوسط مئة وخمسين دولاراً للبرميل، بما نحن عليه من إنتاج ضخم. فما دخلنا في هذه الأزمة؟ علماً بأن بنوكنا التي تربطها بعض العلاقات مع مؤسسات مالية أو اقتصادية ذات ارتباط عالمي لم تفق حتى اليوم من مخصصات الأزمة. صندوق سيادي مثل صندوق أبو ظبي دخل الأزمة بثلاثمائة مليار دولار، وبلغ في أوجها ما يزيد عن السبعمائة مليار، ثم خسر أقل من نصفها، وهو اليوم يستعيد عافيته، فهل يحق لهم أن يفاخرون بأدائهم، الذي تحمل مخاطر استثمارية حقيقية، وخسر ما سبق وربحه؟.
فك ارتباط الريال بالدولار، تعويمه مثلاً، يحتاج بلا شك ليس فقط لخبرة وحنكة مالية بل لاقتصاد منتج مستقر يدعمه، اقتصاد لا يعتمد على مورد دخل واحد. كما أنه يحتاج لعمل جاد متواصل يضمن إبحاره بسلام في محيطات الاقتصاديات العالمية المتلاطمة الأمواج. ولذلك فلنفترض أن فك ربط الريال بالدولار أمر غير وارد، فما الدافع لإبقاء سعر هزيل لصرف الريال مقابل الدولار؟ جميع عملات العالم، ومنها اقتصاديات من العالم الثالث مثل تركيا، والبرازيل، والهند، وتايلندا، والكويت وغيرها استفادت من انخفاض الدولار وحافظت على القيمة الشرائية لعملاتها، وهي تنمو بوتيرة أسرع من اقتصادنا. أما نحن فتركنا مواطنينا فريسة للغلاء المستورد، تارة نتهم التجار، وتارة أخرى نطالبهم بالتكيف مع أوضاعهم، حتى إن البعض طالب بالتوقف عن أكل الرز واستبداله بمنتجات أخرى!
نعرف أن مدخراتنا بالدولار وتعديل سعر صرفها أمام الريال سينقص من قيمتها عندما تصرف محلياً، ولكن هذه ليست الحكاية كاملة، فمشاريع الدولة بلغت أرقاماً فلكية بسبب التضخم المستورد، فالدولة تدفع ثمن انخفاض العملة بطريقة أخرى على شكل تضخم المشاريع المحلية، وهي فعلياً، لا تدخر إلا من عملية تحويل مبالغ رواتب المواطنين الحكوميين فقط، حيث يحصل المواطنون على رواتب دولارية فقدت نصف قيمتها. كما أن حجم صادراتنا للخارج، الذي قد يعد سبباً آخر لخفض الريال لا يعد مبرراً كافيًا لخفض عملتنا بهذا الشكل، خصوصاً وأن معظم ما نصدره مواد خامًا أو شبه خام وليس صادرات مصنعة تحويلياً، وحجم التصدير لا يشكل عصب الدخل الاقتصادي الحقيقي لنا. وحتى يومنا هذا لم يلمس المواطن فائدة هذا التصدير الذي يصب في جيوب فئة التجار، ومديري شركات الأسهم. وسيسر التجار المنتجون حتماً بتعديل سعر صرف الريال مقابل الدولار؛ لأنه سيرفع القدرة الشرائية للمواطن، وينعش الاقتصاد، ويدعم الاستقرار.
بالمختصر المفيد نحن نود أن تحذو مؤسسة النقد حذو خادم الحرمين الشريفين في الصف مع المواطن الضعيف المتضرر، وأن تعدل سعر صرف الريال بما يعادل، في أضعف الإيمان، القيمة التي فقدها، مع الأخذ بعين الاعتبار قيمة مكرمة خادم الحرمين الشريفين، أي أن ترفع سعر صرف الريال بخمسة وعشرين في المئة، هنا تبقى القيمة الشرائية للمواطن كما كانت عليه في السابق قبل انخفاض الدولار، وعلى المواطن المتضرر أن يسامحهم في الباقي، أي قيمة التضخم الفعلي غير الدولاري.
كما نتمنى أن يأتي تعديل سعر الصرف عاجلاً وليس آجلاً، لأن خير البر عاجله، ونتوسل لهم ألا يحيلوا الأمر إلى لجان أو مجالس يتغير العالم والاقتصاد العالمي قبل صدور قراراتها. والله الموفق.