ظللت أتأمل - وأنا أحمد الله - هذا الاستقرار الذي يعيشه وطني، وهذا الأمن الذي يظل بحره وبره.. مدنه وقراه، وواصلت رحلة التأمل وأنا أرى الفتن والاضطرابات في الدول القريبة والبعيدة من بلادي، وأرى كيف فقدت الأمن وكيف ينتشر الهلع في أرجائها ويسكن القلق قلوب شعوبها.
في غمار رحلة التأمل هذه وصلتني هذه الرسالة الجوالية الوطنية الجميلة والواعية عدة مرات ومن
عدد من الأصدقاء وبالتأكيد وصلت إلى غيري ونص الرسالة: (أخي العزيز: انظر إلى تجارب من حولنا ممن فقدوا الأمن في أوطانهم، رجالهم يتناوبون السهر ليلاً لحماية أعراضهم، هناك من يتربص بنا وبأمننا فلا نلتفت لهم، هناك من يبث الشائعات لأجل زعزعة الأمن فلنكن وطنيين فطنين، الحساد يتمنون أن حال المملكة وأهلها كحال بعض الدول الأخرى التي تعمها الفوضى؛ فلا نمنحهم الفرصة في تحقيق أهدافهم، حمى الله بلادنا وأمنها).
في البلدان التي تفقد فيها الصلة بين الحاكم والمحكوم يلجؤون إلى المظاهرات والاحتجاجات رغم ما تجره على بلادهم من آثار سلبية وأقلها تعطيل العمل وتأخير مصالح الناس بل إلى درجة عدم استطاعة المرضى الذهاب إلى المستشفيات بل يصل الأمر إلى تدمير المنشآت التي تقدم خدماتها للناس والمتضرر هو الوطن وأبناؤه واقتصاده على المدى القريب والبعيد.
لنأخذ الحكمة والرأي من حكمائنا وعلمائنا الربانيين فهذا الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - الذي لم يعرف عنه إلا قول الخير، والحرص على ما يحقق المصلحة للإسلام والمسلمين، سُئل عن رأيه بالاعتصامات والمظاهرات فكان جوابه الصريح والواضح عليه شآبيب الرحمة: (إظهار المبارزة والاحتجاجات علناً هذا خلاف هدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تمت إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ولا نؤيد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بد أن هناك أصابع خفية داخلية أو خارجية تحاول بث مثل هذه الأمور).
في وطننا يقود خادم الحرمين الشريفين منظومة الإصلاح، وهو كما نرى ونعيش يتقبل ويفرح بكل رأي أو مقترح يخدم الوطن وأبناءه، وقد حث المسؤولين أكثر من مرة على الاهتمام بهموم الناس والإفادة من آرائهم سواء من خلال ما تنشره بالصحف أو أية قناة شرعية أخرى.
إن كل القنوات المشروعة مفتوحة أمام كافة المواطنين، وتاجها هو (الباب المفتوح) بدءاً بالملك نفسه ثم ولي عهده والنائب الثاني وأمراء المناطق والوزراء وحتى أصغر مسؤول في أية جهة حكومية، فضلاً عن ذلك لقاءات (الحوار الوطني) التي تطرح فيها كل القضايا والمشكلات التي تهم الوطن من مختلف أطيافه في مداولات صريحة وقد شاركت فيها مرتين وشاهدت ارتفاع سقف الحرية المسؤولة فيها فوق طاولة الحوار وهي يتم نقلها على الهواء دون أن يمسها رقيب أو يمنتجها مراقب.
* لقد رأينا خادم الحرمين الشريفين في أول حضور له بالديوان بعد عودته من رحلته العلاجية يستقبل المواطنين ويصغي إلى شكاويهم ومطالبهم من منطلق إيمانه حفظه الله أن هذا الأسلوب أو بالأحرى هذه الخاصية السعودية من أهم آليات الحكم التي يؤمن بها، إننا نشعر في هذا الوطن أننا أسرة واحدة حاكماً ومحكوماً في ظل سياسة الأبواب المشرعة وإبداء الرأي عبر القنوات الرسمية من صحافة ومجالس وغيرها، إنني لا أرى أن يكون خيار الواحد منا أن يوصل رأيه عبر (الشبكة العنكبوتية) وأمثالها وبخاصة عندما يكون الأمر متعلقاً بولي الأمر.. إذ يمكن أن يتم إيصال أي رأي أو مقترح وتسليمه باليد أو عبر أي طريق، لكن النشر عبر وسيلة فضاء مفتوح يدخل إلى دهاليزه من يحب هذا الوطن ومن يكرهه، قد يثير البلبلة بأكثر مما يضيف إلى الوطن ويخدم أبناءه.
في بلادنا لدينا قنوات كثيرة وميسرة للوصول إلى حكامنا والحديث عن مطالبنا وعن أخطائنا واقتراح علاجها في صحافتنا ومجالسنا، وهذه القنوات هي التي توصل رسالتنا وآراءنا دون آثار وأضرار أول ما يضار فيه المواطن.
إنني أقول لنفسي ولإخوتي المواطنين ولشباب وطني تحديداً أنه لا بديل عن الاستقرار إلا الفوضى ولا يمكن أن يوجد عيش هانئ في غمار الفتنة والخوف على الأموال والأعراض.
إن هذا لا يعني أننا وطن مثالي بلا أخطاء وبلا نقص وبلا طموحات، لكن نحن ارتضينا الأسلوب الذي يحقق لنا طموحاتنا ويعالج أخطاءنا وفق منهج ديننا وخطاب ثقافتنا السعودية.
إن لكل بلد ظروفه ومشاكله ونحن - بحمد الله - نختلف فعلاً عن تلك البلدان التي لها ظروفها وسوء معيشتها وحالات كبت الحرية فيها.
إن أهم ما يهم المواطن هو أن يتحقق له الأمن والسكن والعيش والحرية المسؤولة، أما الأمور الشكلية فلننظر بماذا عادت على دول العالم الثالث وتحديداً أوطاننا العربية شرقيها وغربيها.
إن علينا أن نعتز بوطننا وبأسلوب إدارة الحكم فيه ما دام يحقق لنا الأهداف الوطنية والأمنية والتنموية وهذا الأسلوب هو الذي ارتضيناه قيادة وشعباً، لأننا رأينا أنه أوجد لنا هذا الاستقرار وهذه المنظومة التنموية الباذخة ونحن لا ننازع أحداً في خياره، فكل وطن يختار النهج الذي يرى أنه يحقق طموحات مواطنيه وفق قيمه ونهج حياته.
أمر آخر بعض المطالب قد تكون وجيهة لكنها عندما تأتي في غير وقتها، وبعد صدور قرارات موفقة تهدف إلى تنمية الوطن وملامسة مشاكل المواطن هنا تكون غير مقبولة.
وكلمة حق لا بد منها وهي الامتنان لخادم الحرمين الشريفين الذي لامست أوامره الأخيرة أهم القضايا التي تهم المواطن من سكن وتوفير فرص عمل ورعاية للمحتاجين، وتوفير العيش الكريم لكل مواطن.
- ختاماً: لننظر ماذا جرّت الفتن والتعبير غير الراشد على من حولنا وعلى من هو بعيد عنا، لكن ظروف تلك البلدان اضطرت شعوبها إلى ذلك، لكن نحن ولله الحمد ليس لدينا ما يبرر مثل ذلك.
إن الأمن والاستقرار لا يفيد منه مواطن دون آخر.. بل يستظل به الجميع، وعندما تكون هناك فتنة كيف سنأمن أن يذهب أطفالنا إلى مدارسهم ويعودون منها ونحن مطمئنون عليهم.. وكيف سنرى الناس يذهبون فجراً إلى بيوت الله لا يخشون إلا الله، وكيف سيأمن الموظفون والعمال وهم يروحون إلى مواقع العمل ليضخوا دماء العطاء في مفاصل التنمية وكيف أخيراً سنشاهد الأسر تتدفق إلى الأسواق التي تفيض بكل الخيرات دون أن يسألهم سائل أو يعترضهم معترض.
أختم مقالتي بهذه الآية العظيمة من كتاب الله: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (57) سورة القصص.
أدام الله هذا الوطن: واحة أمن ودوحة نماء لنعيش فيه حكاماً ومحكومين متحابين ويعيش أطفالنا هانئين، ونحيا بين جنباته آمنين، وفي ظل وحدته واستقراره آمنين، ورب اجعل هذا البلد آمناً.
فاكس 4565576