المزايدة الهولندية أسلوب للبيع يقدم فيه المُزايدون طلبات الشراء للبضاعة المعروضة (الأسهم مثلاً)، ويُحدد كل منهم السعر وعدد الوحدات التي يرغب في شرائها، ويكون سعر البيع هو السعر الأعلى الذي يُغطي كل الوحدات المعروضة. ولكن ما علاقة ذلك باللجان البيروقراطية؟. كانت إحدى شركات المساهمة العملاقة تُدار من قبل مجلس إدارة من ثمانية أشخاص، هم مديرو الإدارات الثمانية الرئيسة في الشركة.
وبالرغم من أن قواعد عمل المجلس توجب عليهم العمل لمصلحة مُساهمي الشركة إلا أنهم في الواقع ينحازون لمصالح إداراتهم عند مناقشة شؤون الشركة.
وفي ذات يوم، وبينما كان المجلس يُناقش اقتراح إنشاء شبكة حاسب آلي لخدمة مُساهمي الشركة، نشأ جدال حاد بين عضوين هما: مدير التقنية، الذي يؤيد المشروع بحماس، ومدير الشؤون المالية، الذي يرفض الاقتراح لأنه يبدد أموال الشركة.
وتوفيرًا لوقت المجلس اقترح أحد الأعضاء إحالة الموضوع إلى لجنة تتكون من هذين العضوين. ولكنهما اختلفا على مقر اللجنة، فاقترح عضو آخر أن يكون مقرها في الإدارة القانونية للشركة، فوافق المجلس على ذلك وأضاف إليها عضوًا ثالثًا هو مدير الإدارة القانونية وذلك للترجيح في حالة استمرار الخلاف.
وفي الاجتماع الأول للأعضاء الثلاثة قرروا تشكيل لجنة فرعية من نوابهم، الذين قرروا أيضًا إحالة المسألة إلى لجنة أكثر فرعية تتكون مما وصفوه بالفنيين.
وبعد عدة اجتماعات لهؤلاء البيروقراطيين الفنيين استطاعوا التوصل إلى حل يرضي الجميع بعد تخفيض المبلغ المخصص لشبكة الحاسب إلى النصف وتقليص إمكاناته بصورة جوهرية. وقد وافقت لجنة النواب على هذا الحل، ثم صادقت عليه لجنة الأعضاء ثم أقره المجلس دون إبطاء.
ولسوء حظ مُساهمي الشركة استحسن مجلس الإدارة هذا الأسلوب حتى صار يطبق على جميع قراراته تقريبًا، وتحولت اجتماعات المجلس إلى ظاهرة بروتوكولية واقتصر دوره على المصادقة على توصيات اللجان البيروقراطية، بل إن سكرتير المجلس أصبح يحيل تلقائيًا إلى الإدارة القانونية كل اقتراح يرد للمجلس، ثم تُشكل الإدارة القانونية لدراسته لجنة بيروقراطية فنية، وتعقد هذه اللجنة اجتماعات متواصلة تحتدم فيها الخلافات المنطلقة من دفاع كل بيروقراطي عن المصلحة الخاصة بإدارته، ثم يتقلص المشروع المُقترح على حساب المصلحة العامة لمساهمي الشركة إلى الحد الأدنى الذي يقبله كل الأعضاء. في اللجان البيروقراطية يفقد مشروع القرار روحه القيادية ورؤيته الشاملة ويتحول إلى مزايدة هولندية من قبل البيروقراطيين من أجل التوصل للحد الأدنى الذي يقبلون به في ضوء مصالح إدارتهم الضيقة.