في الأسبوع الماضي فهمنا طريقة حساب هامش الربح في بنوكنا وفهمنا كيف أن الفائدة تحسب دائماً وأبداً على ما تبقى في الذمة من رأس المال مهما اختلفت المسميات والأساليب التمويلية. وسنبدأ اليوم بأن نأتي بمعكوس ما فهمناه في الأسبوع الماضي. وهذا مهم من أجل أن لا نُغبن في حالة تسوقنا وبحثنا عن أقل التمويلات كلفة وغلاء. فبنوكنا لا تكتفي بالحيل البنكية فقط، بل هي لا تفصح مقدما عن سعر الفائدة الحقيقة متذرعة بصورية هامش الربح الذي يخادعون به الناس تحت مسمى الصيرفة الإسلامية. وشرح المسألة بالمثال هو أقرب الطرق لتصورها وفهمها.
وسآتي هنا بمثال يحكي حالة غبن وقع فيها كثير من الناس. فمنذ ثلاثة أعوام تقريباً عندما مُنع أن يتجاوز مدة سداد القرض الاستهلاكي لأكثر من خمسة سنوات، كانت البنوك تتصل على الذين اقترضوا حديثا قروضاً مدة سدادها عشر سنوات ويعرضون عليهم تسديد قروضهم بقروض جديدة مدة سدادها خمسة سنوات ويغرونهم بهامش ربح أقل الذي هو في حقيقته أعلى وأكثر كلفة. مثال ذلك رجل عليه قرض قيمته 100.000 ريال يسدده على عشر سنوات بفائدة أو ما يسمونه «هامش ربح» (5.5%) وما هي إلا فائدة مقدارها حقيقيةً (9.456%). فيتصل مندوب البنك بالمقترض ويعرض عليه إعادة تمويل القرض على أن يكون سداده على خمسة سنوات ولكن «بهامش ربح أقل» وهو (5.3%) ولكن حقيقة هذه الفائدة هي (9.666%). أي أن البنك قد غش وغبن المواطن بزيادة الفائدة بمقدار 21 نقطة أساس وهو يوهمه ويخبره بأنه قد خفضها له! وما كان له أن يفعل ذلك لولا استخدام البنك لمصطلح الصيرفة الإسلامية «هامش الربح» بدلاً من مصطلح الفائدة، فالبنك غش المواطن في أمرين هنا.
الأول: أنه خفض المدة وتخفيض المدة يستلزم تخفيض الفائدة وعلى العكس فهو قد زادها عليه.
الأمر الثاني: أن البنك مؤتمن على ما يقوله للمواطن لأن البنك هو الخبير في ذلك، والبنك قد أخبره أنه سيخفض الكلفة عليه وهو في الواقع قد زادها عليه. وهذا الغش بالذات لا يعتبر فهلوة بنكية وحيل قانونية بل غش مركب لأنها معلومة مكذوبة قُدمت من مؤتمن (وهو البنك) ولو حصل ذلك في أمريكا لفرضت أشد العقوبات على من يتجرأ أن يفعل ذلك هناك وهنا الكل يفعل وهو يسبح الله ويستغفره ويتوب إليه.
وفي هذا المقال سأبين طريقة حساب تحويل هامش الربح إلى الفائدة (أي معكوس ما شرحته في الأسبوع الماضي) والتي من الممكن أن يطبقها الشخص عند إعادة التمويل أو عند البحث عن أرخص تمويل. هذا جانب والجانب الآخر الذي سأشدد في توضيحه هو أنه يجب أن نفهم أنه كلما طالت المدة كلما كان ذلك في صالح المقترض لا البنك طالما أن سعر الفائدة لم يزد بنسبة عالية، وسأوضح ذلك بعد شرح الجانب الحسابي أولاً.
1 - شرح طريقة حساب كلفة التمويل الحقيقية من هامش الربح بافتراض عدم وجود رسوم أو عقوبات مخفية أو ظاهرة.
في المثال السابق افترضنا أن رجلا عليه قرض قيمته 100.000 ريال باقي عليه في سداده عشر سنوات بفائدة بهامش ربح (5.5%). أي أن الدفعة الشهرية هي (1291.6) ريال سعودي. طريقة حسابها هي {مبلغ التمويل (100.000)* هامش الربح (0.055)* عدد السنوات (10) = مجموع الفائدة خلال عشر سنين أو ما يسمونه بهامش الربح (55000) ريال. ثم تضاف الفوائد على رأس المال الممول (55000+ 100000)= 155000 ريال تسدد خلال 120 شهراً أي 1291.6 ريال شهرياً. وباستخدام الآلة الخاصة بالمالية أو بأي برنامج مالي نقوم بإدخال الدفعة الشهرية =(1291.6) والقيمة المستقبلية= (0) وعدد الدفعات =(120) والقيمة الحالية للمبلغ المتمول =(100000) ثم نستطيع الوصول إلى نسبة الفائدة الحقيقية وهي (9.4566%).
وهكذا عرفنا سعر الفائدة الحقيقي للتمويل (أبو عشر سنوات) وبقى علينا أن تعرف سعر الفائدة الحقيقي للتمويل (أبو خمس سنوات) الذي يزعم البنك أن هامش الربح فيه أرخص بـ 21 نقطة أساس.
فبما أن القرض قيمته(100,000) ريال سيكون سداده على خمس سنوات بفائدة بهامش ربح (5.3%). أي أن الدفعة الشهرية هي (2108.3) ريال سعودي. طريقة حسابها هي {مبلغ التمويل (100.000)* هامش الربح (0.053) * عدد السنوات (5) = مجموع الفائدة خلال خمس سنين أو ما يسمونه بهامش الربح (26500) ريال. ثم تضاف الفوائد على رأس المال الممول (26500+ 100000) = (126500) ريال تسدد خلال (60) شهراً أي (2108.3) ريال شهرياً. وباستخدام الآلة الخاصة بالمالية أو بأي برنامج مالي ندخل فيه الدفعة الشهرية (2108.3) والقيمة المستقبلية (0) وعدد الدفعات (60) والقيمة الحالية للمبلغ المتمول (100000) ثم نستطيع الوصول إلى نسبة الفائدة الحقيقية وهي (9.666%).
خلاصة المثال: المثال الرقمي السابق يوضح لنا أن المدة هي العامل المؤثر في كلفة التمويل وليس ما يسمونه ب «هامش الربح» فكلما طالت المدة نقصت الفائدة طالما أن هامش الربح ثابتاً أو بزيادة طفيفة. ولزيادة التوضيح فلا يكون هناك لبس: فتمويل منزلي لمدة ثلاثين عاماً بهامش ربح مقداره (4.65%) هو نفس تكلفة تمويل منزلي لمدة عشر سنوات بهامش ربح مقداره (3.93%). كلاهما يحمل نفس الكلفة. فالفائدة الحقيقية على ما تبقى من رأس المال في كلا التمويلين هي (7%). وعليه «فتمويل أبو ثلاثين سنة بهامش ربح 4.0% أرخص من تمويل (أبو عشر سنوات) بهامش ربح 3.93%. فتمويل (أبو ثلاثين) بهامش ربح 4.0% مثلا فائدته الحقيقة هي (6.1%) بينما التمويل (أبو عشرة سنين) الذي يُدلس فيه البنك بهامش الربح بأنه 3.93% فائدته الحقيقية هي 7%.
2 - طول مدة السداد أفضل من قصرها طالما أن سعر الفائدة لم يزد كثيراً:
هناك ثلاثة عوامل خلطت علينا نحن السعوديون أفهامنا بالنسبة لثقافة التمويلات.
العامل الأول أن البلاد لم تمر بأي فترة تضخم منذ عام 1980م إلى 2003م تقريباً. وهذا عائد في بداياته إلى الحركة التصحيحية للأسعار التي زادت بعد طفرة البترول عام 1973م وإلى الكساد الاقتصادي التي مرت به البلاد لعشرين عاماً تقريباً.
عدم وجود تضخم لمدة ثلاثين عاماً أفقد الناس الإحساس بأمر مهم جداً في ثقافة التمويل وهو أن ريال اليوم يساوي أكثر غداً طالما أن البلاد في حالة نمو طبيعي فضلاً أن تكون في حالة نمو قوي.
العامل الثاني هو عدم اعتماد الناس على التمويلات في الاستثمار الخاص كالمنازل أو العام كالشركات. فأكثر الاعتماد إما على الدولة وإما على رؤوس الأموال لدى الأغنياء من الملاك.
العامل الثالث هو ما أفسدته الصيرفة الإسلامية في استخدامها للحيل الصورية في التمويلات مما خلق ضبابية في الأفهام عند كثير من الناس مع فوضى قانونية في البنوك، فالناس اليوم لا يستطيعون معرفة كلفة التمويل الحقيقية بسبب استخدام هامش الربح بدلاً من الفائدة. حتى ولو عرفوا لا يبالون به كمبالاتهم واهتمامهم بمقدار الفائدة. فمثلا تمويل منزلي لمدة ثلاثين عاما بهامش ربح مقداره (4.65%) هو نفس تكلفة تمويل منزلي لمدة عشر سنوات بهامش ربح مقداره (3.93%)، فكلاهما فائدته 7%. فلو سألت في المجتمعات المتطورة الذي اعتاد أهلها على التمويلات وثقافتهم فيها لم يلحقها غبش وحيل الصيرفة وأساطير ما يسمونه هنا بالاقتصاد الإسلامي (وما هو إلا بقايا أدبيات الاقتصاد الشيوعي) عن أي العرضين التمويليين أفضل ستجد إجابة واحدة من جميع الناس هناك سواء مثقفهم وجاهلهم أن التمويل (أبو ثلاثين سنة) بـ 7% فائدة أفضل بلا نزاع من تمويل (أبو عشر سنوات) بنفس الفائدة بل ويعتبرونها صفقة العمر. ولو سألت الكثير هنا في بلادنا نفس السؤال لوجدت غالبهم يجيب بالعكس فهو يفضل التمويل (أبو عشر سنوات) على (أبو ثلاثين سنة) ولو أن كلفة التمويل واحدة! فما هي وجهة نظر الفريقين؟
مقارنة بين السعودي وغيره ممن يعيش في بلاد متطورة
السعودي من عاش وتربى في بلد متطور
سينظر إلى هامش الربح فينخدع بتمويل (أبو عشر سنين) فيعتقد أنه أرخص لأنه 3.93% بينما التمويل (أبو ثلاثين) هامش ربحه 4.65%.
لا يوجد هناك صيرفة إسلامية فلا يستطيع البنك خداع الناس لذا فالمعلن هو سعر الفائدة الحقيقية أي التكلفة الحقيقية وهي 7% لكلا الحالتين
سينظر نظرة سطحية إلى مجموع قيمة الفوائد التي سيدفعها خلال فترة التمويل وهي 39990 ريال سعودي بالنسبة للتمويل (أبو عشر سنوات) بينما مجموع الفوائد التي سيدفعها خلال فترة التمويل لمدة ثلاثين عاماً فسيجدها 139.508 ريال سعودي أي أن الفوائد أكثر من رأس المال المتمول فينخلع قلب السعودي ويفضل (أبو عشر سنوات) فيفضل أن يدفع دفعة شهرية مقدارها 1161 ريال سعودي ويأخذ التمويل (أبو عشر سنين) بينما يرفض التمويل طويل الأجل رغم أن الدفعة الشهرية هي 665 ريال فقط. سينظر إلى قيمة الفلوس التي ستتناقص خلال ثلاثين سنة فهو يعلم أن القيمة الحالية (أي القوة الشرائية أو الفرصة الضائعة) متساوية بين التمويلين. وهو يعلم أن 665 ريال سعودي شهريا خير له من أن يدفع 1161 في تمويل (أبو عشر سنوات). فهو يستفيد من القيمة الشرائية من فلوسه بدلاً من إرجاع التمويل للبنك. وللتوضيح فإن 665 ريال اليوم تساوي 5397 ريال بمعدل الفائدة 7% بعد ثلاثين سنة أو فقل إن شئت أن الدفعة الشهرية بعد ثلاثين سنة تساوي اليوم ما قيمته 81 ريالا. وبينهما فقس. لذا ترى الرجل هناك يقول إنه بعد 15 عاماً أصبحت الدفعة الشهرية التي يدفعها مقابل شراء منزله أعلى من فاتورة الكهرباء.
الثقافة التمويلية عندنا هنا تتمحور حول التخلص من الدين فقط دون النظر فيما هذا الدين، وكيفية سداده وكلفته. فالديون في الواقع جيدة طالما أنها استثمارية (وما قامت نمور آسيا إلا عليها). بينما الفكرة عندنا تخلص من الدين وحاول أن تأخذ تمويل قصير الأمد حتى في المشاريع الاستثمارية. وهذا خطأ لأن المخاطرات بجميع أنواعها تزداد كلما طال الزمن وإذا كان التمويل مرهون بالمشروع الاستثماري فالأفضل أن يحول المستثمر المخاطرة على البنك بإطالة مدة التمويل لا بتقصيره. فإذا فُهم هذا عرفنا لماذا بنوكنا لا تعطي تمويلات طويلة الأجل للمشاريع الاستثمارية لأنها بنوك ربحية محضة لا تقيم اهتماماً في المشاركة في نهضة الوطن.
الثقافة هناك أن البنك يشارك في المخاطرة ويتحملها فهو يعطي التمويلات مقابل رهن المشاريع التي قامت عليها فقط. وعادة المشاريع التي سيقبل البنك بتمويلها هي مشاريع تبدو ناجحة اليوم ولكن لا يعلم أحد ماذا يحدث بعد عشر سنين، فقد تكثر المنافسة أو يتغير الذوق. لذا فالمتمول أي المقترض هناك يحرص على تمويل طويل الأجل فيحقق أهدافا كثيرة منها:
1 - أن يخفف عنه الدفعة الشهرية فلا يضغط على نفسه ويستفيد من جني ثمرة الربح مقدماً.
2 - أنه يُحمل المخاطرة على البنك على المدى الطويل. فهو في السنوات الأولى قد أرجع رأس ماله واستفاد من الربح، فإذا خسرت الصناعة التي هو فيها سيتوقف عن السداد ويتحمل البنك الخسارة. وأما إذا نجحت صناعته وازدهرت فهو خير على خير فالقسط الشهري لم يعد يشكل عبئاً عليه مطلقاً.
ونكتفي اليوم بهذا لكوننا أنهينا شرح مفهوم كلفة التمويل عندنا بعد فصل الخلط الحاصل بين هامش الربح (ما أسماه الغرب ب»flat rate») وبين سعر الفائدة وسنبدأ في الأسبوع المقبل بتقديم نماذج من الحيل البنكية بداية من الإجارة المنتهية بالتمليك والرسوم الإدارية وعقوبات السداد المبكر وأثر ذلك كله على كلفة التمويل.