حديث الشارع السعودي بل وحتى الخليجي اليوم السقوط الذريع وخروج المنتخب السعودي الأول من التصفيات الآسيوية بشكل لم يكن يخطر على بال أكثر الناس تشاؤماً فضلاً عن غالبية الجماهير التي كانت تنتظر من منتخبها أن يعوض ما كان في دولة الخليج الماضية، ولعل جلنا بل ربما الكل حتى أولئك الذين ليس لهم اهتمام بكرة القدم يترقبون ويأملون أن يغلق ملف الرياضة السعودية السابق بكل ما فيه من أوجاع وهنات وإخفاقات ويفتح ملف جديد على يد صاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد بن عبدالعزيز يعيد النظر أولاً في واقع الأندية الرياضية المالي والإداري والأخلاقي والفني، كما أنه يفتح قنوات التواصل والحوار الحقيقي والجاد مع مؤسسات رعاية الشباب وتربيتهم كوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والإعلام، ومؤسسات التنشئة الأهلية الأخرى وذلك من أجل رسم إستراتيجيات وطنية موحدة تهدف في النهاية إلى رعاية أمثل لشباب الوطن.

إن من الأهمية بمكان أن نستفيد من الأخطاء ونعي الدروس ونعيد النظر في مسارنا بشكل جديد ومتميز وبحرفية ومهارة عالية، ونقطة البداية في نظري إعادة الاهتمام بالرياضة المدرسية وجعل مادة البدنية مادة أساسية في محاضن التربوية، وتحبيب ممارسة الرياضة لدى أبنائنا الصغار، ودعم المبرزين منهم وتشجيعهم بشكل ملحوظ وقوي، ليس فقط من أجل أن نصبح أبطال آسيا أو أن نفوز بكأس الخليج ولكن من أجل صحة أمثل للجيل القادم الذي ركن إلى الدعة وأطال القعود والتسمير أمام شاشة التلفاز مكتفياً بالمتابعة والمشاهدة دون الممارسة اليومية للرياضة الأكثر شعبية «كرة القدم» أو غيرها، ثم الالتفاتة الصادقة إلى الأندية الصغيرة منها قبل الكبيرة وتعزيز وجودها من خلال توفير البنية الأساسية الضرورية وإنشاء وصيانة ومتابعة مرافقها وتقوية ميزانياتها وتشجيع الشباب للانخراط فيها وغرس روح التنافس بينها بشكل إيجابي ومثالي مدروس.

إنني من أنصار القول بأن الأندية الرياضية لها رسالة وطنية سامية فهي من معززات الانتماء ومحفزات العطاء ويمكن من خلالها متى ما وجدت الإدارة الجيدة الموثوق بها، والمعروفة ببعد نظرها، وعلو همتها، وشديد حرصها، وسلامة تفكيرها، وجودة إدارتها، متى ما تحقق ذلك في رؤساء الأندية ومن معهم فستكون أنديتنا مشاعل نور وملتقى بناء وعنوان وفاء ومركز إخاء وعطاء وحرب على الإرهاب و... في محافظات ومدن بل وحتى قرى وهجر مناطقنا المختلفة، وما يضير الرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تتبنى صرف رواتب شهرية للعاملين في أنديتنا الرياضية، فليس كلهم من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة كما يتصور البعض، ولا حتى الدخول المتوسطة، بل إن منهم من هو مدين وربما استقطع من راتبه البسيط ما يستره أمام الغير وحباً في النادي الذي ينتمي له. لقد أكدت الرئاسة العامة لرعاية الشباب -الجهة الرسمية المسؤولة عن الأنشطة الرياضية والشبابية في المملكة- أكدت على أن الأندية الرياضية السعودية هي كيانات «أهلية» تدعمها الدولة، وتتابع نشاطاتها، وتطبق عليها القوانين والأنظمة واللوائح المعمول بها عالمياً ومحلياً. كما نصت اللوائح التنظيمية الصادرة عام 1395هـ على أن أهداف الأندية الرياضية السعودية هي:

1- المساهمة في تكوين المواطن الصالح.

2- إنشاء وتهيئة الملاعب والوسائل الرياضية لممارسة الألعاب الرياضية بها ومن خلالها.

3- تنظيم الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية.

4- تشكيل الفرق الرياضية في مختلف الألعاب للمشاركة في المسابقات المحلية والخارجية وفقاً للبرامج والأنظمة التي تقرها اتحادات والمؤسسات الدولية الرياضية.

إن هذه الأهداف العزيزة هي محل أنظار الجميع ولو وثق كل ولي أمر أن القائمين على هذه الكيانات الشبابية سيقومون بدورهم على الوجه الصحيح وسيكونون عوناً له على تربية أولادهم فلن يتأخر في إلحاق فلذة كبده في منظومة المنتمين والمسجلين في النادي القريب منه.

إن نظام الاحتراف في صورته الحالية لا يخدم كثيراً الجوانب التربوية والثقافية والاجتماعية بل حتى الرياضية غير كرة القدم غالباً وهذا يتنافى مع الأهداف التي من أجلها أسست هذه المشاريع الوطنية ذات الأهداف السامية، علاوة على أنه -الاحتراف- يبقى المنافسة والتميز في دائرة ضيقة جداً كما هو الحال في السنوات الأخيرة من عمر رياضتنا السعودية، والانعكاس الملاحظ في واقع الحال اليوم توجه صغارنا لتشجيع الأندية الأوروبية والإسبانية وغض النظر عن أندية الرياض وجدة، فهي في حسه أكثر متعة وتشويقاً وإبداعاً وفي ذات الوقت لا تختلف كثيراً عن الأندية السعودية في المناطق الكبرى من حيث البعد الزمني والمكاني إذ إن كل منها بعيد عن إيقاع حياته اليومي ولا يراهم إلا عبر شاشة التلفاز أو من خلال الألعاب وهذا في نظري أمر طبيعي وفي حكم العادي منشأة البعد النفسي لدى الجيل الجديد.

إنني أعتقد أن أندية المناطق القابعة في الدرجة الثانية أو الأولى أو حتى ما دون تحتاج إلى دراسة موسعة وعميقة حتى تعود له الروح من جديد وتدخل إلى عالم الوجود الحقيقي ومن أجل أن تصبح في دائرة الضوء وتعزز الحركة الرياضية في هذه المنطقة أو تلك، ولعلي شخصياً حين أتذكر حال الرياضة الحائلية عندما كنا في الممتاز وأقارنه بحالنا اليوم أدرك أهمية الموضوع ليس رياضياً فحسب بل تربوياً واجتماعياً وأمنياً وثقافياً، ولهذا كان المقال.. وإلى لقاء والسلام