لئن كان قانون الزواج والأحوال الشخصية في المملكة يعتمد على الشريعة الإسلامية، باعتبار أنّ الزواج عقد اتفاق بين طرفين، يعرض فيه الطرف الأول الزواج ويقبل الطرف الآخر بما يسمّى (الإيجاب أو القبول)، إلاّ أنّ المجتمع يحد من قدرة المرأة على الدخول بمحض إرادتها أو اختيار من تريده في عقد زواج، ويُنظر للأمر بريبة، أو بوجود علاقة غير سوية بين الرجل والمرأة.
ويلجأ بعض الأولياء إلى عضل بناتهم الموظفات حتى لو تقدّمن في السن طمعاً في رواتبهن فلا يزوجّوهن لأكفائهن. وتجد المحاكم حرجاً في تزويج الفتيات دون موافقة أولياء أمورهن. بل تُطلق يد الولي في عضلها للاستحواذ على راتبها ولا تستطيع الشكوى والوقوف أمام القاضي بدون وجود الولي (العاضل).
وفي فئة من المجتمع يوجد نظام التحجير، وهو قصر زواج الفتاة على ابن عمها مهما كان ضعف التكافؤ الفكري أو العلمي أو عدمه! فالمرأة السعودية هي الوحيدة من بين نساء العالم التي يحجر على بعضهن لابن العم لتتزوج منه جبراً، حتى لو جاوز عمره السبعين وهي طفلة لم تبلغ الخامسة عشرة تبعاً لعادات وتقاليد بالية.
ويقف عدم التكافؤ في النسب حائلاً بين زواج المواطنات من مواطنين آخرين يشاركونهم الدين والمواطنة والعادات والتقاليد والمشاعر الصادقة، وإن تم بموافقة الأب فقد يفسخه إخوانها بعد وفاته، إضافة إلى أنه لا يسمح بزواج السعودية من وافد، على خلاف الرجل، وإنْ تم فلا يتمتع أبناؤها بأي حق لهم في دولة والدتهم لأنّ الأم ذاتها لا تتمتع بحقوقها المدنية.
وفي بلادي، يتمتع ولي الأمر بسلطة مطلقة في إنهاء الزيجات التي (برأيه) غير متكافئة من حيث النسب أو الجنسية، مثلما حصل في قضية عدم تكافؤ النسب الشهيرة والتي تدخّل فيها الملك شخصياً، بينما بقيت زيجات معلقة على نفس المنوال.
وقانون الزواج في المملكة يتطلّب موافقة ولي الأمر. وولاية الأمر في الزواج هي نوعان: ولاية الأمر مع الحق في الإجبار (ولاية الإجبار)، وولاية الأمر دون الحق في الإجبار (ولاية الندب) وطبقاً لعلماء المذهب الحنبلي، فإنّ لولي الأمر (الأب أو الجد أو الأخ) للفتاة القاصر أو البكر مهما كان سنها حق الموافقة على زواجها دون أخذ رأيها إطلاقاً. إلاّ أن المشايخ المعاصرين بدؤوا مؤخراً يوصون بالأخذ بموافقة البكر البالغة على زواجها، بينما يتساهلون في موافقة القاصر، حتى ولو سبق لها الزواج. وانقسم الناس إلى فريقين بين محتج وموافق حين تزوجت فتاة صغيرة لم تبلغ الثانية عشرة من عمرها على مسن في السبعين من عمره، حتى أُصدر مؤخراً قرار تحديد سن الزواج. ويلجأ أولياء الأمور بالتواطؤ مع عاقدي الأنكحة لتغيير تاريخ الميلاد لتمرير الزواج والتحايل على النظام، في امتهان سافر لإنسانية الطفولة!
وكان المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ رئيس مجلس كبار العلماء، قد وقف ضد الزيجات الجبرية، إلا أن وزارة العدل والمحاكم لا تحركان ساكناً حيال تساهل بعض قضاة المحاكم مع قضايا العضل أو إجبارهن على الزواج من أشخاص غير مؤهلين، فضلاً عن حقهن في اختيار أزواجهن أو إجبارهن على الطلاق حين يصر ولي الأمر على الفراق.
ولم تفكر وزارة العدل كجهة مختصة بإنشاء لجان مناصحة لأولياء الأمور تقدم النصائح للجهلة والمتعنتين، كما لم يحدث أن خلعت الولاية من ولي أو أب لا يفرق بين الاستثمار التجاري في العضل وبين سعادة ابنته، وكأنه لا يملك إلاّ قلباً تجارياً أو قلباً من حجر لا ينبض بمشاعر الأبوّة والعدل والإحسان.
وإلى أن يحين بلوغ المرأة السعودية سن الرشد يبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضررات الصبر أو ليمتن كمدا !